شبح ابتسامة...قصة قصيرة بقلم:عبد الرحمن سليم الضيخ
صفحة 1 من اصل 1
شبح ابتسامة...قصة قصيرة بقلم:عبد الرحمن سليم الضيخ
لم يكن يتصور خلال العقود الثلاثة الماضية أنه سيصل إلى حالته هذه التي تتقمصه،فهو يشكل جزءا يكاد يكون ثابتا منها،فلا فرق بينه وبين هذه الجدران الثلاثة،أو هذه السبيكة الحديدية السميكة التي يسمونها بابا،على الرغم من أنها لاتحمل من صفات الباب إلا القفل الحديدي الثقيل،وهذه الكوة الصغيرة التي تفتح في اليوم مرتين،ليقذف من خلالها مايمكن أن يسمى تجاوزا طعاما،فهو أي الطعام لايغادر صورته وحجمه،....رغيف واحد مورست عليه تجارب جعلته يكتسي حلة من البقع الخضراء،ثم لسعته الشمس حتى غدا كالمومياء....إضافة إلى زجاجة بلاستيكية صغيرة امتلأ نصفها الأسفل ماء-احمر خجلا من كرم من يقدمونه-أما نصفها الأعلى فقد شغلته خطوط ودوائر ونتوآت تشي بعمر الزجاجة.......فلو تيسر لمختبر أن يفحصها لوجد على فوّهتها آلاف بصمات الشفاه......لم يكن يعرف أن الليل قد انصرف وأشرقت الشمس إلا حين تفتح الكوة لتقذف منها (الإعاشة)كما كان أبوه يسميها.
لم يأبه للتغير المفاجىء في سلوك السجان الذي اعتاد أن يرى عينيه وأنفه وجزءا من جبينه حين يقذف إليه طعامه،أما الآن فإنه يطيل النظر إليه،أو هكذا يخيل إليه،ففي هذا اليوم رمقه بعينين خال أن فيهما شيئا من العطف
الذي لم يعتده منه،كما لاحظ أن الطعام (المحسّن)الذي لم يقذفه هذه المرّة،بل أومأ إليه كي يتناوله،وكان الطعام في هذه المرة رغيفان وزجاجة ماء متخمة،إضافة إلى قطعة كبيرة من اللحم وبرتقالة.........داخله شىء من الرضى في بداية الأمر،وشرع يأكل نلكن اللقمة الأولى كادت تسد حلقه حين لمعت في رأسه فكرة سوداء.....هل....هل......
هل اقترب يوم النحر....؟؟؟؟ولم يرد إتمام الفكرة....هل انتهى الوقت المخصص لعلف الأضحية.....هل جاء وقت ذبحها؟؟؟لكنه استدرك أو شاء أن يستدرك،أو يتخيل قشة يتعلق بها،....إنه لم يحاكم،ولم يسأله أحد بعد خروجه من المقصب أيّ سؤال......ركز بصره على نقطة في الجدار،حيث كانت حزمة من ضوء تتسلل من خلال كسر في زجاج الكوّة العالية التي خمن أنها تطل على ساحة داخل السجن.......خيّل إليه أن كلمات محفورة على الجدار نهض متثاقلا وأخذ يتحسس الكتابه بيده على طريقة (بريل)،فهو لأول مرة منذ خمس سنوات أمضاها في قبره هذا يرى هذه الكتابة......لم يستطع تبينها،....لكنه خمن أنها اسم النزيل السابق الذي كان يشغل هذا القبر قبله ....
وخيل إليه أن عشرات الأسماءمحفورة على جدران القبر هذا......وفتحت الكوة ،في غير موعدها هذه المرة
لاحظ أن السجان يحدق فيه....استغرب هذه الظاهرة الجديدة،كما استغرب طبيعة نظرة السجان....إن عينيه تعكسان شيئا غير قليل من الشفقة والعطف.....بل إن عينيه تعكسان ظل دمعتين يغالبهما....لكنهما غلبتاه وانحدرتا من عينيه ،فأسرع يمسحهما بطرف كم ّقميصه،ثم أسرع يغلق الكوة....حاول أن يفسّر هذه الظاهرة الغريبة على عالمه هذا......وارتعد حين ثبتت في صفحة ذهنه الواهي الفكرة التي حاول دفعها بتحسس الجدار...لكنه هذه المرة
ثبتت وسيطرت على كل مسلحة فكره.........إذن هي النهاية......أحس برعشة قوية في كل مساحات جسده،وأن شيئا ما يشدّه إلى الأسفل،فارتمى على قطعة القماش السميكة التي كانت فراشه ولحافه وسجادته،صحيح أنهاتحمل
من الروائح مايعجز أمهر الأنوف عن تمييز أخلاطها لكنها على كل حال موجودة قبل أن يشغل هذا القبر و(شىء أفضل من لاشىء)حاول السيطرة على خوفه بفلسفة ماحوله،لكن الخوف أحاط بكل ذراته،وانعكس ارتجافا على جسده ،وغصة أحس بها تكبر وتكبر حتى كادت تسد حلقه و........أغمي عليه،فلم يعد يعي شيئا حوله.......
عانق ضيفه عناق مشتاق لمشتاق.....شده إلى صدره....ثم انحنى يقبل يديه،وأراد أن ينحني أكثر ليقبل قدميه....لكن أباه-الذي كان الضيف-أمسك بساعديه وأنهضه بسرعة وقوة استغربها من عجوز جاوز التسعين ،هذا قبل أن يموت...ثم مدّ يده إلى صدر ابنه وتمتم آيات قرآنية سمعها جيدا فصار يرددها وراء أبيه(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)كان يرددها في نفسه أول الأمر ثم أعمل لسانه دون صوت ،ثم همس بها وأخذ يرفع بها صوته.....ولم يوقف تلاوتها ،حتى حين فتح عينيه فرآى حوله أربعة عمالقة....أوقفوه،ثم أخذوا يسحبونه عنوة أول الأمر،لكنه أعمل ساقيه وأخذ يسبقهم بخطوة.......وهو مايزال يردد الآيات ،وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة،حتى حين أزاح عملاق ملثم الكرسي من تحت أقدامه،لم تفارقه الابتسامة،ولكن لسانه وقف عن التلاوة...............
"
لم يأبه للتغير المفاجىء في سلوك السجان الذي اعتاد أن يرى عينيه وأنفه وجزءا من جبينه حين يقذف إليه طعامه،أما الآن فإنه يطيل النظر إليه،أو هكذا يخيل إليه،ففي هذا اليوم رمقه بعينين خال أن فيهما شيئا من العطف
الذي لم يعتده منه،كما لاحظ أن الطعام (المحسّن)الذي لم يقذفه هذه المرّة،بل أومأ إليه كي يتناوله،وكان الطعام في هذه المرة رغيفان وزجاجة ماء متخمة،إضافة إلى قطعة كبيرة من اللحم وبرتقالة.........داخله شىء من الرضى في بداية الأمر،وشرع يأكل نلكن اللقمة الأولى كادت تسد حلقه حين لمعت في رأسه فكرة سوداء.....هل....هل......
هل اقترب يوم النحر....؟؟؟؟ولم يرد إتمام الفكرة....هل انتهى الوقت المخصص لعلف الأضحية.....هل جاء وقت ذبحها؟؟؟لكنه استدرك أو شاء أن يستدرك،أو يتخيل قشة يتعلق بها،....إنه لم يحاكم،ولم يسأله أحد بعد خروجه من المقصب أيّ سؤال......ركز بصره على نقطة في الجدار،حيث كانت حزمة من ضوء تتسلل من خلال كسر في زجاج الكوّة العالية التي خمن أنها تطل على ساحة داخل السجن.......خيّل إليه أن كلمات محفورة على الجدار نهض متثاقلا وأخذ يتحسس الكتابه بيده على طريقة (بريل)،فهو لأول مرة منذ خمس سنوات أمضاها في قبره هذا يرى هذه الكتابة......لم يستطع تبينها،....لكنه خمن أنها اسم النزيل السابق الذي كان يشغل هذا القبر قبله ....
وخيل إليه أن عشرات الأسماءمحفورة على جدران القبر هذا......وفتحت الكوة ،في غير موعدها هذه المرة
لاحظ أن السجان يحدق فيه....استغرب هذه الظاهرة الجديدة،كما استغرب طبيعة نظرة السجان....إن عينيه تعكسان شيئا غير قليل من الشفقة والعطف.....بل إن عينيه تعكسان ظل دمعتين يغالبهما....لكنهما غلبتاه وانحدرتا من عينيه ،فأسرع يمسحهما بطرف كم ّقميصه،ثم أسرع يغلق الكوة....حاول أن يفسّر هذه الظاهرة الغريبة على عالمه هذا......وارتعد حين ثبتت في صفحة ذهنه الواهي الفكرة التي حاول دفعها بتحسس الجدار...لكنه هذه المرة
ثبتت وسيطرت على كل مسلحة فكره.........إذن هي النهاية......أحس برعشة قوية في كل مساحات جسده،وأن شيئا ما يشدّه إلى الأسفل،فارتمى على قطعة القماش السميكة التي كانت فراشه ولحافه وسجادته،صحيح أنهاتحمل
من الروائح مايعجز أمهر الأنوف عن تمييز أخلاطها لكنها على كل حال موجودة قبل أن يشغل هذا القبر و(شىء أفضل من لاشىء)حاول السيطرة على خوفه بفلسفة ماحوله،لكن الخوف أحاط بكل ذراته،وانعكس ارتجافا على جسده ،وغصة أحس بها تكبر وتكبر حتى كادت تسد حلقه و........أغمي عليه،فلم يعد يعي شيئا حوله.......
عانق ضيفه عناق مشتاق لمشتاق.....شده إلى صدره....ثم انحنى يقبل يديه،وأراد أن ينحني أكثر ليقبل قدميه....لكن أباه-الذي كان الضيف-أمسك بساعديه وأنهضه بسرعة وقوة استغربها من عجوز جاوز التسعين ،هذا قبل أن يموت...ثم مدّ يده إلى صدر ابنه وتمتم آيات قرآنية سمعها جيدا فصار يرددها وراء أبيه(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)كان يرددها في نفسه أول الأمر ثم أعمل لسانه دون صوت ،ثم همس بها وأخذ يرفع بها صوته.....ولم يوقف تلاوتها ،حتى حين فتح عينيه فرآى حوله أربعة عمالقة....أوقفوه،ثم أخذوا يسحبونه عنوة أول الأمر،لكنه أعمل ساقيه وأخذ يسبقهم بخطوة.......وهو مايزال يردد الآيات ،وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة،حتى حين أزاح عملاق ملثم الكرسي من تحت أقدامه،لم تفارقه الابتسامة،ولكن لسانه وقف عن التلاوة...............
"
أبو البراء- المساهمات : 262
تاريخ التسجيل : 14/02/2010
العمر : 73
مواضيع مماثلة
» هبة....قصة قصيرة بقلم:عبد الرحمن سليم الضيخ
» غرق....قصة قصيرة جدا...:بقلم :عبد الرحمن سليم الضيخ
» السقوط....قصة قصيرة بقلم:عبد الرحمن سليم الضيخ
» غيبة...قصة قصيرة بقلم:عبد الرحمن سليم الضيخ
» كابوس آخر ...قصة قصيرة بقلم عبد الرحمن سليم الضيخ
» غرق....قصة قصيرة جدا...:بقلم :عبد الرحمن سليم الضيخ
» السقوط....قصة قصيرة بقلم:عبد الرحمن سليم الضيخ
» غيبة...قصة قصيرة بقلم:عبد الرحمن سليم الضيخ
» كابوس آخر ...قصة قصيرة بقلم عبد الرحمن سليم الضيخ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى