المعرّب(الدخيل)في لغة النبي صلى الله عليه وسلم ....د.نبيل قصاب باشي
صفحة 1 من اصل 1
المعرّب(الدخيل)في لغة النبي صلى الله عليه وسلم ....د.نبيل قصاب باشي
تمهيد :
يعرّف السيوطي المعرَّب بالقول : ((هو ما استعمله العرب من الألفاظ الموضوعة لمعانٍ في غير لغتها ([1]))) . ومن أهل العلم من يرى استعمال القرآن للمعرب ، بينما يرى آخرون أن القرآن خالٍ من لغات العجم ، لقوله تعالى : (( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ([2]) )) ؛ ويرى رأي ثالـث صواب القولين . قال أبو عبيدة : (( والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعاً ؛ وذلك أنّ هذه الحروف أُصولها عجمية كما قال الفقهاء ، إلا أنها سقطت إلى العرب فأعربتها بألسنتها، وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها ، فصارت عربية ، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب ؛ فمن قال : إنها عربية فهو صادق ؛ ومن قال : عجمية فهو صادق ([3]) )) وإلى هذا المذهب ذهب أبو منصور الجواليقي في كتابه ( المعرَّب ). واشترط أئمة العربية لمعرفة الأسماء الأعجمية علامات ووجوهاً ، بسطها السيوطي في كتابه ( المزهر ) وقد بلغت سبعة وجوه :
منها : خروج الاسم الأعجمي عن أوزان الأسماء العربية ، نحو : [ إِبْرَيْسَم ].
أو أن يكون أوله نون ثم راء نحو : [ نرجس ] . أو أن يكون آخره زاي بعد دال نحو : [ مهندز ] – ثم صارت الزاي سيناً - . أو أن يجتمع فيه الصاد والجيم نحو : [ الصولجان ] ، أو الجيم والقاف نحو : [ المنجنيق ] .
أو أن يكون خماسياً ورباعياً عارياً عن حروف الذلاقة ( الباء والراء والفاء واللام والميم والنون ) نحو : [ سفرجل ] ([4]) .
والحروف الذِّلْقيّة أو الذَّوْلَقيّة ثلاثة ، هن الراء واللام والنون ) كما سماهنّ الخليل الفراهيدي.
ويذكر مكي بن أبي طالب أنه وجد في بعض نسخ كتاب العين للخليل حروفَ الذُّلق ستةً هي : ( الراء واللام والنون والفاء والباء والميم ) . يقول مكي : (( وفي هذه الحروف حكمة ، وذلك أنه لا توجد كلمة خماسية من كلام العرب إلا وفيها من هذه الحرف ، فإذا أتت كلمة خماسية ليس فيها شيء من هذه الحروف فليست من كلام العرب ، فهذا أصل فافهمْ )) ([5]).
واختلف اللغويون قليلاً فيما يكون في كلام العرب من المعرّب ، فهناك من ينفي – مثلاً – اجتماع القاف والجيم في كلمة واحدة كالفارابي ([6]) ، الذي ينفي أيضاً اجتمـاع الجيم والصاد ، كمـا في [الجصّ والإجّاص والصولجان] ، أو اجتماع الجيم والتاء دون حرف ذولقي ، أو الجيم والطاء .
ويتعقب الأزهري ([7]) من قال : [ الجيم والصاد ] لا يجتمعان في كلمة من كلام العرب فيقول : (( [ الصاد والجيم ] مستعملان ، ومنه جصّص فلان إناءه إذا ملأه ، والصَّجّ ضرب الحديد بالحديد .
ومن وجوه التفسير اللغوي لغريب الحديث ما أشار إليه الخطابي من المعرّب أو ما سمي بالدخيل الذي عُرّب . وقد ورد هذا الدخيل المعرّب في تفسيره على ثلاثة أقسام : قسمٍ : أشار إليه الخطابي على أنه فارسي ثم عُرّب ؛ ومن ذلك : [ المواخير – القفشين – البَذَج ] . وآخرَ: ما كان دخيلاً في كلام العرب ؛ ومن ذلك [ السمسار ]، وثالثٍ : ما استعمله العرب وليس في كلامهم ؛ ومن ذلك:[ القاقزّة ] .
أ – ما كانَ فارسيّاً ثم عُرّب :
[ المواخير ] . وهذا الدخيل من أصل فارسي هو ( مَيْ خُور ) ؛ وقد ورد في حديث التابعي زياد بن أبي سفيان : (( أنه لما ولي البصرة أمر بهدم المواخير ([8]) )) . والمواخير : بيوت الخمارين ، وأصله فارسي معرّب كأنه قيل : مَيْ خُور فعُرّب وجُمع ، قال جرير أو الفرزدق :
فما فـي كتاب الله هـدم ديارنـا بتهديـم ماخـورٍ خبيـث مداخـله ([9])
وفي اللسان : ( مخر ) فعل عربي متصرف ؛ وفي التنزيل : [ وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ ([10]) ] يعني جواريَ . أما المواخير فجمع ماخور : بيت الريبة ، وهو تعريب ميْ خور ، وقيل : هو عربي لتردد الناس إليه من مَخْرِ السفينةِ الماءَ ([11]).
وقال الخفاجي : (( مواخير : جمع ماخور : بيوت الخمارين ، وهو تعريب ميخور ، وقال ثعلب : قيل له ذلك لتردد الناس ، من مخرتِ السفينة الماءَ ، فهو عربي محض كذا في الفائق ([12])))
ومن المعرّب الدخيل لفظ : [ القفشين ] في حديث التابعي ثابت البُناني أنه قال : (( لم يترك عيسى بن مريم في الأرض إلا مِدْرعة صوف وقَفْشَين ومِخْذَفة([13]) ))([14]).
ويفسر الخطابي معنى القفشين وأصله فيقول : (( تفسير القَفْشَين في الحديث أنهما خُفّان قصيران ، وأُراه فارسياً أصله كَفْش ([15]) فعُرّب ([16]))) .
وفي اللسان ( قفش ) : (( القفش : النكاح ، والقفش : الخُفَ . قال الأزهري : وهو دخيل معرب ، وأصله بالفارسية ( كفْج ) فعُرّب ([17]))) .
و[ البَذَجُ ] : البَرَقُ : فارسي معرب ، وقد أورده الخطابي تفسيراً للفظ ( العُمْرُوس ) على أنه البَذَج ، في حديث التابعي عبد الملك بن مروان حين قال لعمرو بن حُرَيث : (( أيُّ الطعام أكلتَه أحبُّ إليك ؟ قال : عَنَاقٌ قد أُجيد تمليحها وأٌحكم نُضجُها . قال : ما صنعت شيئاً، أين أنت عن عُمْرُوس راضعٍ قد أُجيد سَمْطُه وأُحكم نُضْجه ... ([18]))) الحديث .
و (( والعُمروس : الحَمَلُ وهو الإمَّر والبَذَج . قال الشاعر :
قد هلكتْ جارتُنا من الهَمَجْ وإنْ تَجُعْ تأكل عتوداً أو بَذَجْ
وهو البَرَقُ ([19]) أيضاً ، فارسيّ معرّب ، ويُجمع على البِذْجَان ... ([20]))).
و[ الكَرْد ] : فارسي معرّب ، وقد ورد في حديث معاذ بن جبل t : (( أنه قدم على أبي موسى وعنده رجل كان يهودياً فأسلم ، ثم تهوّد فقال : والله لا أقعد حتى تضربوا كَرْده ([21]) )) .
والكرد : أعلى العنق ، قال الشاعر :
وكنا إذا القيسـي نبَّ عَتـودُه ضربناه تحت الأنثنين على الكرد ([22])
قال الخطابي : (( ويقال : إنه فارسي معرب ([23]))).
و [ البِزْيُون ] فارسي معرّب . قاله الخطابي في سياق شرحه لَفْظَيْ ( مجتابي النمار والديابود ) في معرض تفسيره حديث النبي r أن المنذر بن جرير بن عبد الله البَجْليّ حدّث عن أبيه ، قال : (( كنا عند رسول الله r فجاء قوم حُفاةً عراةً مُجتابي النِّمار .... ([24]))) الحديث .
و (( قوله : مجتابي النمار ، يريد أنهم قد اقتطعوها وشقوها أُزُراً بينهم . يقال : جُبت الثوب واجتبته ، قال الشمّاخ :
كأنهـا وابنَ أيّـام تُربّبُـه من قُرّةِ العين مُجتاباً دَيَابودِ ([25])
يريد أن هذه الوحشية من حبها لولدها واشتمالها عليه بأطرافها, كأنّهما لابسا ثوب واحد وهو الدَّيابُود ، ويقال : إنه البِزْيون ، وأصله فارسي معرّب ، يريد ثوباً ذا نِيريْن ، ويقال أيضاً : اجتبتُ الثوبَ بمعنى لبسته ([26]))).
و[ الباغوت ] أعجمي معرّب . وقد جاء في حديث عمر بن الخطاب t أنه لما صالح أهل الشام كتبوا له كتاباً : (( إنا لا نُحدث في مدينتنا كنيسة ولا قِلِّيَّة ،
ولانخرج سعانيناً ولا باعوثاً ([27]))).
و(( الباعوث ، يقال : إنه استسقاء النصارى ... وقال بعضهم : إنما هو الباغوت – بالغين المعجمة والتاء التي هي أخت الطاء – وهو عيد للنصارى ، اسم أعجمي ([28]))) .
ب – ما كانَ دخيلاً في كلامِ العربِ :
ومن المعرب لفظ [ السمسار ] في حديث قيس بن أبي غَرَزة ـ ومنه ـ : (( كنا نُسَمّى السماسرةَ على عهد رسول الله r فأتانا ونحن بالبقيع ، فسمانا باسم هو أحسن منه ، فقال : يا معشرَ التُّجّارِ ... ([29]))) الحديث .
و(( السماسرة : واحدهم سِمْسار ([30]) ، ويقال له : السِّفْسِير أيضاً ، والسمسرة عندهم بمعنى البيع والشراء ، ويقال : إنه دخيل في كلام العرب ..([31]))) .
وقال الليث : ((السمسار فارسية معرّبة ، والجمع السماسرة([32]))) . والسفسير : السمسار ؛ قال الأزهري : وهو مُعرَّب ([33]))) . وقال ابن الأعرابي : (( السفسير القَهْرمَان وهو أيضاً الحزمة من حزم الرَّطْبة التي تعلفها الإبل ، وأصل ذلك فارسي ([34]))) .
جـ - ما استعملهُ العربُ وليسَ في كلامِهِمْ :
أما [ القازوزة ] التي وردت في حديث الصحابي عبد الله بن سَلاَم حين قال : (( قال موسى لجبريل : هل ينام ربك ؟ فقال عز وجل : قل له فليأخذ قارورتين أو قازوزتين وليقم على الجبل مـن أول الليل حتى يُصبح ([35]))) . وبعد أن يسند الخطابي حديث ابن سـلام يقول : (( هكذا رواه مشكوكاً فيه )) . ثم يفسر القازوزة بأنها : (( مَشْرَبةٌ كالقاقوزة ، ويُجْمَعُ على القوازيز ، فأما القاقُزَّة فليست من كلام العرب ، وقد استعملوها ... وأخبرني الغَنَويّ عن أبي العباس ثعلب قال : هي القاقوزة والقازوزة ، ولا تقل قاقُزَّة ([36]) )) .
ويستفيض ابن منظور في تصريف أصل القازوزة ، وينقل آراء اللغويين كأبي عبيد وابن السِّكّيت والليث وغيرهم على أنها أعجمية معرّبة . قال أبو عبيد في كتاب ( ما خالفت فيه العامة لغات العرب ) : هـي : (( قاقوزة وقازوزة التي تسمى قاقزة ([37]) )) . وقال ابن السِّكّيت : (( أما القاقزّة فمولّدة ([38]))).
وقال الليث : (( القاقُزّة مشربة دون القرقارة معرّبة ، وقال : وليس في كلام العرب – مما يفصل – ألفٌ بين حرفين مثلين ، مما يرجع إلى بناء ققز ونحوه . ثم قال : وقد قال بعض العرب قازوزة للقاقُزَّة ([39]))) .
وقال شهاب الدين الخفاجي : (( قاقُزَّة – بالتشديد – إناء للشرب معرّب . ويقال : قاقوزة وقازوزة ([40]))) .
([1]) السيوطي : المزهر في علوم اللغة 1/268 .
([2]) سورة الشعراء : الآية 195 .
([3]) السيوطي : المزهر في علوم اللغة 1/269 .
([4]) انظر تفصيل ذلك في : المزهر في علوم اللغة للسيوطي : 1/270 .
([5]) مكي بن أبي طالب القيسي : الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة /141/ تح : د . أحمد حسن فرحات ، ط2 دار عمار ، عمان – الأردن 1984 .
([6]) السيوطي : المزهر في علوم اللغة 1/270 – 271 .
([7]) المصدر السابق 1/271 .
([8]) الخطابي : غريب الحديث 3/64 .
([9]) البيت لجرير وليس للفرزدق برواية : (( تهديم دارنا )) بدل (( هدم ديارنا )) . ديوان جرير 389
ط . بيروت
([10]) سورة النحل : الآية 14
([11]) اللسان ( مخر ) . وحديث زياد في غريب الحديث للخطابي 3/64 ، وفي الفائق للزمخشري ( مخر) وفي النهاية لابن الأثير ( مخر ) .
([12]) شهاب الدين الخفاجي : معجم الألفاظ والتراكيب المولدة : 486 . تح : د. قصي الحسين ط1 دار الشمال. طرابلس لبنان 1987 م . وانظر : الفائق ( مخر ) . والنهاية (مخر)
([13]) المخذفة : المقلاع .
([14]) الخطابي : غريب الحديث 3/149 . أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11/309 بألفاظ أخرى عن أبي العالية . وذكره الجواليقي في المعرب 316 بلفظ : " أنه لم يخلف إلا قفشين ومخذفة " .
([15]) شهاب الدين الخفاجي : معجم الألفاظ والتراكيب الموّلدة ( قفش ) .
([16]) الخطابي : غريب الحديث 3/149 .
([17]) اللسان ( قفش ) .
([18]) الخطابي : غريب الحديث 3/167 .ذكره الزمخشري في الفائق ( ملح ) وابن الأثير ( ملح ) .
([19]) البرق : الجَمَل ، فارسي معرب . انظر: شهاب الدين الخفاجي : معجم الألفاظ والتراكيب المولّدة(برق) .
([20]) الخطابي : غريب الحديث3/167 – 168 والبيتان في التاج واللسان ( بذج ) معزوان لأبي مُحرز المحاربيّ واسمه عبيد . والهَمَج هنا الجوع .
([21]) الخطابي : غريب الحديث 2/312 و 134 . والحديث أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 10/168 عن معمر عن أيوب بلفظ : (عنقه) ، وعن معمر عن قتادة بلفظ : (كرده). وذكره السيوطي في الجامع الكبير 2/672 بلفظ (عنقه ) وعزاه لابن أبي شيبة . وأخرجه البيهقي في سننه 8/205 – 206 بألفاظ مختلفة .
([22]) ديوان الفرزدق 1/178 ، وفيه ( فوق ) بدل ( تحت ) . وفي اللسان ( كرد ) برواية : وكنا إذا الجبار صعّر خده . والعتود : ما اشتد من ذكور أولاد المعز . ونبّ نبيباً : صوّت عند الهياج . وانظر الصحاح ( نبب ) وديوان الأدب 1/104 .
([23]) الخطابي : غريب الحديث 2/312 . وفي ديوان الأدب 1/104 : (( والكرد : العنق . فارسي معرب . وانظر الصحاح ( نبب ) .
([24]) المصدر السابق 2/297 . أخرجه مسلم في صحيحه 2/705 ، وأحمد في مسنده 4/358 – 361 .
([25]) ديوان الشماخ 112. وقال أبو علي القالي في البارع 141: ديابود ليست بعربية ، وهو ثوب فيما ذكروا، ويقال : هو كساء ، وهو الذي له سُدَّتان ، وهو بالفارسية : ( دوبوذ ) فعرّبوه بالدال .
([26]) الخطابي : غريب الحديث 2/297 . والبُزيون – بضم الباء – السندس ؛ قال ابن بري : (( هو رقيق الديباج )) . انظر اللسان ( بزن ) .
([27]) الخطابي : غريب الحديث 2/73 . والحديث في مقدمة تاريخ ابن عساكر 564 ، 565 بلفظ : (( ولا نخرج شعانينا ولا باعوثنا .. )) في حديث طويل . ورواه ابن عساكر 567 أيضاً بلفظ : (( وأن لا نخرج شعانين ولا باعوثا .. )) .
([28]) المصدر السابق 2/74 .
([29]) المصدر السابق 2/280 . أخرجه الحميدي في مسنده 1/208 والترمذي في سننه 3/505 وأبوداود في سننه 3/242 والنسائي في سننه 7/14 وابن ماجة في سننه 2/725 وأحمد في مسنده 4/6 ، 280 والحاكم في مستدركه 2/5 .
([30]) شهاب الدين الخفاجي : معجم الألفاظ والتراكيب المولّدة : 295 .
([31]) الخطابي : غريب الحديث 2/281 .
([32]) اللسان ( سمسر ) .
([33]) اللسان ( سفسر ) .
([34]) اللسان ( سفسر ) .
([35]) الخطابي : غريب الحديث 2/375 . ذكره الزمخشري في الفائق (قزز) وابن الأثير في النهاية (قزز) .
([36]) المصدر السابق 2/376 .
([37]) اللسان ( ققز ) .
([38]) اللسان ( ققز ) .
([39]) اللسان ( قزز ) .
([40]) شهاب الدين الخفاجي : معجم الألفاظ والتراكيب المولّدة 396 .
يعرّف السيوطي المعرَّب بالقول : ((هو ما استعمله العرب من الألفاظ الموضوعة لمعانٍ في غير لغتها ([1]))) . ومن أهل العلم من يرى استعمال القرآن للمعرب ، بينما يرى آخرون أن القرآن خالٍ من لغات العجم ، لقوله تعالى : (( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ([2]) )) ؛ ويرى رأي ثالـث صواب القولين . قال أبو عبيدة : (( والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعاً ؛ وذلك أنّ هذه الحروف أُصولها عجمية كما قال الفقهاء ، إلا أنها سقطت إلى العرب فأعربتها بألسنتها، وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها ، فصارت عربية ، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب ؛ فمن قال : إنها عربية فهو صادق ؛ ومن قال : عجمية فهو صادق ([3]) )) وإلى هذا المذهب ذهب أبو منصور الجواليقي في كتابه ( المعرَّب ). واشترط أئمة العربية لمعرفة الأسماء الأعجمية علامات ووجوهاً ، بسطها السيوطي في كتابه ( المزهر ) وقد بلغت سبعة وجوه :
منها : خروج الاسم الأعجمي عن أوزان الأسماء العربية ، نحو : [ إِبْرَيْسَم ].
أو أن يكون أوله نون ثم راء نحو : [ نرجس ] . أو أن يكون آخره زاي بعد دال نحو : [ مهندز ] – ثم صارت الزاي سيناً - . أو أن يجتمع فيه الصاد والجيم نحو : [ الصولجان ] ، أو الجيم والقاف نحو : [ المنجنيق ] .
أو أن يكون خماسياً ورباعياً عارياً عن حروف الذلاقة ( الباء والراء والفاء واللام والميم والنون ) نحو : [ سفرجل ] ([4]) .
والحروف الذِّلْقيّة أو الذَّوْلَقيّة ثلاثة ، هن الراء واللام والنون ) كما سماهنّ الخليل الفراهيدي.
ويذكر مكي بن أبي طالب أنه وجد في بعض نسخ كتاب العين للخليل حروفَ الذُّلق ستةً هي : ( الراء واللام والنون والفاء والباء والميم ) . يقول مكي : (( وفي هذه الحروف حكمة ، وذلك أنه لا توجد كلمة خماسية من كلام العرب إلا وفيها من هذه الحرف ، فإذا أتت كلمة خماسية ليس فيها شيء من هذه الحروف فليست من كلام العرب ، فهذا أصل فافهمْ )) ([5]).
واختلف اللغويون قليلاً فيما يكون في كلام العرب من المعرّب ، فهناك من ينفي – مثلاً – اجتماع القاف والجيم في كلمة واحدة كالفارابي ([6]) ، الذي ينفي أيضاً اجتمـاع الجيم والصاد ، كمـا في [الجصّ والإجّاص والصولجان] ، أو اجتماع الجيم والتاء دون حرف ذولقي ، أو الجيم والطاء .
ويتعقب الأزهري ([7]) من قال : [ الجيم والصاد ] لا يجتمعان في كلمة من كلام العرب فيقول : (( [ الصاد والجيم ] مستعملان ، ومنه جصّص فلان إناءه إذا ملأه ، والصَّجّ ضرب الحديد بالحديد .
ومن وجوه التفسير اللغوي لغريب الحديث ما أشار إليه الخطابي من المعرّب أو ما سمي بالدخيل الذي عُرّب . وقد ورد هذا الدخيل المعرّب في تفسيره على ثلاثة أقسام : قسمٍ : أشار إليه الخطابي على أنه فارسي ثم عُرّب ؛ ومن ذلك : [ المواخير – القفشين – البَذَج ] . وآخرَ: ما كان دخيلاً في كلام العرب ؛ ومن ذلك [ السمسار ]، وثالثٍ : ما استعمله العرب وليس في كلامهم ؛ ومن ذلك:[ القاقزّة ] .
أ – ما كانَ فارسيّاً ثم عُرّب :
[ المواخير ] . وهذا الدخيل من أصل فارسي هو ( مَيْ خُور ) ؛ وقد ورد في حديث التابعي زياد بن أبي سفيان : (( أنه لما ولي البصرة أمر بهدم المواخير ([8]) )) . والمواخير : بيوت الخمارين ، وأصله فارسي معرّب كأنه قيل : مَيْ خُور فعُرّب وجُمع ، قال جرير أو الفرزدق :
فما فـي كتاب الله هـدم ديارنـا بتهديـم ماخـورٍ خبيـث مداخـله ([9])
وفي اللسان : ( مخر ) فعل عربي متصرف ؛ وفي التنزيل : [ وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ ([10]) ] يعني جواريَ . أما المواخير فجمع ماخور : بيت الريبة ، وهو تعريب ميْ خور ، وقيل : هو عربي لتردد الناس إليه من مَخْرِ السفينةِ الماءَ ([11]).
وقال الخفاجي : (( مواخير : جمع ماخور : بيوت الخمارين ، وهو تعريب ميخور ، وقال ثعلب : قيل له ذلك لتردد الناس ، من مخرتِ السفينة الماءَ ، فهو عربي محض كذا في الفائق ([12])))
ومن المعرّب الدخيل لفظ : [ القفشين ] في حديث التابعي ثابت البُناني أنه قال : (( لم يترك عيسى بن مريم في الأرض إلا مِدْرعة صوف وقَفْشَين ومِخْذَفة([13]) ))([14]).
ويفسر الخطابي معنى القفشين وأصله فيقول : (( تفسير القَفْشَين في الحديث أنهما خُفّان قصيران ، وأُراه فارسياً أصله كَفْش ([15]) فعُرّب ([16]))) .
وفي اللسان ( قفش ) : (( القفش : النكاح ، والقفش : الخُفَ . قال الأزهري : وهو دخيل معرب ، وأصله بالفارسية ( كفْج ) فعُرّب ([17]))) .
و[ البَذَجُ ] : البَرَقُ : فارسي معرب ، وقد أورده الخطابي تفسيراً للفظ ( العُمْرُوس ) على أنه البَذَج ، في حديث التابعي عبد الملك بن مروان حين قال لعمرو بن حُرَيث : (( أيُّ الطعام أكلتَه أحبُّ إليك ؟ قال : عَنَاقٌ قد أُجيد تمليحها وأٌحكم نُضجُها . قال : ما صنعت شيئاً، أين أنت عن عُمْرُوس راضعٍ قد أُجيد سَمْطُه وأُحكم نُضْجه ... ([18]))) الحديث .
و (( والعُمروس : الحَمَلُ وهو الإمَّر والبَذَج . قال الشاعر :
قد هلكتْ جارتُنا من الهَمَجْ وإنْ تَجُعْ تأكل عتوداً أو بَذَجْ
وهو البَرَقُ ([19]) أيضاً ، فارسيّ معرّب ، ويُجمع على البِذْجَان ... ([20]))).
و[ الكَرْد ] : فارسي معرّب ، وقد ورد في حديث معاذ بن جبل t : (( أنه قدم على أبي موسى وعنده رجل كان يهودياً فأسلم ، ثم تهوّد فقال : والله لا أقعد حتى تضربوا كَرْده ([21]) )) .
والكرد : أعلى العنق ، قال الشاعر :
وكنا إذا القيسـي نبَّ عَتـودُه ضربناه تحت الأنثنين على الكرد ([22])
قال الخطابي : (( ويقال : إنه فارسي معرب ([23]))).
و [ البِزْيُون ] فارسي معرّب . قاله الخطابي في سياق شرحه لَفْظَيْ ( مجتابي النمار والديابود ) في معرض تفسيره حديث النبي r أن المنذر بن جرير بن عبد الله البَجْليّ حدّث عن أبيه ، قال : (( كنا عند رسول الله r فجاء قوم حُفاةً عراةً مُجتابي النِّمار .... ([24]))) الحديث .
و (( قوله : مجتابي النمار ، يريد أنهم قد اقتطعوها وشقوها أُزُراً بينهم . يقال : جُبت الثوب واجتبته ، قال الشمّاخ :
كأنهـا وابنَ أيّـام تُربّبُـه من قُرّةِ العين مُجتاباً دَيَابودِ ([25])
يريد أن هذه الوحشية من حبها لولدها واشتمالها عليه بأطرافها, كأنّهما لابسا ثوب واحد وهو الدَّيابُود ، ويقال : إنه البِزْيون ، وأصله فارسي معرّب ، يريد ثوباً ذا نِيريْن ، ويقال أيضاً : اجتبتُ الثوبَ بمعنى لبسته ([26]))).
و[ الباغوت ] أعجمي معرّب . وقد جاء في حديث عمر بن الخطاب t أنه لما صالح أهل الشام كتبوا له كتاباً : (( إنا لا نُحدث في مدينتنا كنيسة ولا قِلِّيَّة ،
ولانخرج سعانيناً ولا باعوثاً ([27]))).
و(( الباعوث ، يقال : إنه استسقاء النصارى ... وقال بعضهم : إنما هو الباغوت – بالغين المعجمة والتاء التي هي أخت الطاء – وهو عيد للنصارى ، اسم أعجمي ([28]))) .
ب – ما كانَ دخيلاً في كلامِ العربِ :
ومن المعرب لفظ [ السمسار ] في حديث قيس بن أبي غَرَزة ـ ومنه ـ : (( كنا نُسَمّى السماسرةَ على عهد رسول الله r فأتانا ونحن بالبقيع ، فسمانا باسم هو أحسن منه ، فقال : يا معشرَ التُّجّارِ ... ([29]))) الحديث .
و(( السماسرة : واحدهم سِمْسار ([30]) ، ويقال له : السِّفْسِير أيضاً ، والسمسرة عندهم بمعنى البيع والشراء ، ويقال : إنه دخيل في كلام العرب ..([31]))) .
وقال الليث : ((السمسار فارسية معرّبة ، والجمع السماسرة([32]))) . والسفسير : السمسار ؛ قال الأزهري : وهو مُعرَّب ([33]))) . وقال ابن الأعرابي : (( السفسير القَهْرمَان وهو أيضاً الحزمة من حزم الرَّطْبة التي تعلفها الإبل ، وأصل ذلك فارسي ([34]))) .
جـ - ما استعملهُ العربُ وليسَ في كلامِهِمْ :
أما [ القازوزة ] التي وردت في حديث الصحابي عبد الله بن سَلاَم حين قال : (( قال موسى لجبريل : هل ينام ربك ؟ فقال عز وجل : قل له فليأخذ قارورتين أو قازوزتين وليقم على الجبل مـن أول الليل حتى يُصبح ([35]))) . وبعد أن يسند الخطابي حديث ابن سـلام يقول : (( هكذا رواه مشكوكاً فيه )) . ثم يفسر القازوزة بأنها : (( مَشْرَبةٌ كالقاقوزة ، ويُجْمَعُ على القوازيز ، فأما القاقُزَّة فليست من كلام العرب ، وقد استعملوها ... وأخبرني الغَنَويّ عن أبي العباس ثعلب قال : هي القاقوزة والقازوزة ، ولا تقل قاقُزَّة ([36]) )) .
ويستفيض ابن منظور في تصريف أصل القازوزة ، وينقل آراء اللغويين كأبي عبيد وابن السِّكّيت والليث وغيرهم على أنها أعجمية معرّبة . قال أبو عبيد في كتاب ( ما خالفت فيه العامة لغات العرب ) : هـي : (( قاقوزة وقازوزة التي تسمى قاقزة ([37]) )) . وقال ابن السِّكّيت : (( أما القاقزّة فمولّدة ([38]))).
وقال الليث : (( القاقُزّة مشربة دون القرقارة معرّبة ، وقال : وليس في كلام العرب – مما يفصل – ألفٌ بين حرفين مثلين ، مما يرجع إلى بناء ققز ونحوه . ثم قال : وقد قال بعض العرب قازوزة للقاقُزَّة ([39]))) .
وقال شهاب الدين الخفاجي : (( قاقُزَّة – بالتشديد – إناء للشرب معرّب . ويقال : قاقوزة وقازوزة ([40]))) .
([1]) السيوطي : المزهر في علوم اللغة 1/268 .
([2]) سورة الشعراء : الآية 195 .
([3]) السيوطي : المزهر في علوم اللغة 1/269 .
([4]) انظر تفصيل ذلك في : المزهر في علوم اللغة للسيوطي : 1/270 .
([5]) مكي بن أبي طالب القيسي : الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة /141/ تح : د . أحمد حسن فرحات ، ط2 دار عمار ، عمان – الأردن 1984 .
([6]) السيوطي : المزهر في علوم اللغة 1/270 – 271 .
([7]) المصدر السابق 1/271 .
([8]) الخطابي : غريب الحديث 3/64 .
([9]) البيت لجرير وليس للفرزدق برواية : (( تهديم دارنا )) بدل (( هدم ديارنا )) . ديوان جرير 389
ط . بيروت
([10]) سورة النحل : الآية 14
([11]) اللسان ( مخر ) . وحديث زياد في غريب الحديث للخطابي 3/64 ، وفي الفائق للزمخشري ( مخر) وفي النهاية لابن الأثير ( مخر ) .
([12]) شهاب الدين الخفاجي : معجم الألفاظ والتراكيب المولدة : 486 . تح : د. قصي الحسين ط1 دار الشمال. طرابلس لبنان 1987 م . وانظر : الفائق ( مخر ) . والنهاية (مخر)
([13]) المخذفة : المقلاع .
([14]) الخطابي : غريب الحديث 3/149 . أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11/309 بألفاظ أخرى عن أبي العالية . وذكره الجواليقي في المعرب 316 بلفظ : " أنه لم يخلف إلا قفشين ومخذفة " .
([15]) شهاب الدين الخفاجي : معجم الألفاظ والتراكيب الموّلدة ( قفش ) .
([16]) الخطابي : غريب الحديث 3/149 .
([17]) اللسان ( قفش ) .
([18]) الخطابي : غريب الحديث 3/167 .ذكره الزمخشري في الفائق ( ملح ) وابن الأثير ( ملح ) .
([19]) البرق : الجَمَل ، فارسي معرب . انظر: شهاب الدين الخفاجي : معجم الألفاظ والتراكيب المولّدة(برق) .
([20]) الخطابي : غريب الحديث3/167 – 168 والبيتان في التاج واللسان ( بذج ) معزوان لأبي مُحرز المحاربيّ واسمه عبيد . والهَمَج هنا الجوع .
([21]) الخطابي : غريب الحديث 2/312 و 134 . والحديث أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 10/168 عن معمر عن أيوب بلفظ : (عنقه) ، وعن معمر عن قتادة بلفظ : (كرده). وذكره السيوطي في الجامع الكبير 2/672 بلفظ (عنقه ) وعزاه لابن أبي شيبة . وأخرجه البيهقي في سننه 8/205 – 206 بألفاظ مختلفة .
([22]) ديوان الفرزدق 1/178 ، وفيه ( فوق ) بدل ( تحت ) . وفي اللسان ( كرد ) برواية : وكنا إذا الجبار صعّر خده . والعتود : ما اشتد من ذكور أولاد المعز . ونبّ نبيباً : صوّت عند الهياج . وانظر الصحاح ( نبب ) وديوان الأدب 1/104 .
([23]) الخطابي : غريب الحديث 2/312 . وفي ديوان الأدب 1/104 : (( والكرد : العنق . فارسي معرب . وانظر الصحاح ( نبب ) .
([24]) المصدر السابق 2/297 . أخرجه مسلم في صحيحه 2/705 ، وأحمد في مسنده 4/358 – 361 .
([25]) ديوان الشماخ 112. وقال أبو علي القالي في البارع 141: ديابود ليست بعربية ، وهو ثوب فيما ذكروا، ويقال : هو كساء ، وهو الذي له سُدَّتان ، وهو بالفارسية : ( دوبوذ ) فعرّبوه بالدال .
([26]) الخطابي : غريب الحديث 2/297 . والبُزيون – بضم الباء – السندس ؛ قال ابن بري : (( هو رقيق الديباج )) . انظر اللسان ( بزن ) .
([27]) الخطابي : غريب الحديث 2/73 . والحديث في مقدمة تاريخ ابن عساكر 564 ، 565 بلفظ : (( ولا نخرج شعانينا ولا باعوثنا .. )) في حديث طويل . ورواه ابن عساكر 567 أيضاً بلفظ : (( وأن لا نخرج شعانين ولا باعوثا .. )) .
([28]) المصدر السابق 2/74 .
([29]) المصدر السابق 2/280 . أخرجه الحميدي في مسنده 1/208 والترمذي في سننه 3/505 وأبوداود في سننه 3/242 والنسائي في سننه 7/14 وابن ماجة في سننه 2/725 وأحمد في مسنده 4/6 ، 280 والحاكم في مستدركه 2/5 .
([30]) شهاب الدين الخفاجي : معجم الألفاظ والتراكيب المولّدة : 295 .
([31]) الخطابي : غريب الحديث 2/281 .
([32]) اللسان ( سمسر ) .
([33]) اللسان ( سفسر ) .
([34]) اللسان ( سفسر ) .
([35]) الخطابي : غريب الحديث 2/375 . ذكره الزمخشري في الفائق (قزز) وابن الأثير في النهاية (قزز) .
([36]) المصدر السابق 2/376 .
([37]) اللسان ( ققز ) .
([38]) اللسان ( ققز ) .
([39]) اللسان ( قزز ) .
([40]) شهاب الدين الخفاجي : معجم الألفاظ والتراكيب المولّدة 396 .
عبد الرحمن- المساهمات : 230
تاريخ التسجيل : 23/01/2010
مواضيع مماثلة
» التعويض في لغة النبي صلى الله عليه وسلم.....د.نبيل قصاب باشي
» ضبط البنية اللفظية في لغة النبي(ص)الخطابي نموذجا.الدكتور نبيل قصاب باشي(2)
» ضبط البنية اللفظية في لغة النبي(ص)الخطابي نموذجا.الدكتور نبيل قصاب باشي(1)
» على شفا حلم هار...شعر:د.نبيل قصاب باشي
» الدكتور نبيل قصاب باشي
» ضبط البنية اللفظية في لغة النبي(ص)الخطابي نموذجا.الدكتور نبيل قصاب باشي(2)
» ضبط البنية اللفظية في لغة النبي(ص)الخطابي نموذجا.الدكتور نبيل قصاب باشي(1)
» على شفا حلم هار...شعر:د.نبيل قصاب باشي
» الدكتور نبيل قصاب باشي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى