الدراسـة التـاريخيـة والجغـرافيـة لمدينـة تلبيسـة

بناء على طلب أستاذي عبد الرحمن أرسل لكم الدراسة
تقع مدينة تلبيسة في وسط الجمهورية العربية السورية على جانبي الطريق الدولي الذي يخترق سوريا من الشمال إلى الجنوب، حيث تصل بين مدينة حمص ودمشق من الجنوب وحماة وحلب من جهة الشمال، ويمكن الوصول من خلالها إلى مدينة طرطوس واللاذقية من جهة الغرب، ومدن السلمية والرقة ودير الزور من جهة الشرق. وتحيط بها قرى جبورين وكفرنان والغنطو من الغرب، والزعفرانة ودير فول وعسيلة من الشمال والسعن الأسود والمكرمية من الشرق، ومن الجنوب المختارية وكفر عبد والكرامة.
وتقع تلبيسة جغرافياً مقابل فتحة مدينة حمص الواقعة ضمن سلسلة الجبال الغربية، وهذا يفسر سبب تعرض المدينة لرياح موسمية قوية في فترة الصيف؛ مما يجعل زراعة الأشجار غير ناجحة فيها. وهي تقع على طريق القوافل القديم، الذي يقول عنه أحد الرحالة: (إن الطريق بين حمص وحماة خط أبيض شق الحقول الخضراء، وهو واحد من أقدم الطرق في العالم، تسلكه القوافل منذ خمسة آلاف عام على الأقل، وكان قد رأى حبلاً طويلاً من الجمال تتحرك ببطء محملة بأكياس ملونة تتلامع، ويخيل إلى المرء أن فرعون يستجلب الحبوب من حماة ليملأ عنابره تحسباً للسنوات السبع العجاف ).
وكانت أراضيها الفسيحة ساحة قتال في المعارك الطاحنة بين الجيوش الزاحفة من الشمال للاستيلاء على حمص وبين الجيوش المدافعة عنها، فقد هزمت جيوش زنوبيا في المعركة التي دارت على السهل الممتد بين حمص وتلبيسة عام 272م، وكأن سهول تلبيسه الفسيحة قد تحولت إلى ساحات حرب كلما تعرضت حمص لخطر قادم من الشمال، فقد تصدى لهجوم التتار كل من الأشرف موسى صاحب حمص، والمنصور صاحب حماة في عام 656 هجرية الموافق 1260م على سهول تلبيسه، وألحقوا بالتتار هزيمة شنيعة فانكسروا وردوا على أعقابهم، كما أن هذه السهول كانت مكاناً مفضلاً لدى قادة جيوش الفتح الإسلامي لإعادة تنظيمها وتأهيلها لإتمام عمليات الفتح واستكمالها.
وفي تلبيسه بني سور حول التل، المعروف بقلعة تلبيسة، وهناك من يرجع بناء قلعة تلبيسة إلى أسباب تتعلق بحفظ الأمن فغارات الأعراب على المدن واستفحال أمرهم، مستدلين بمقتل الوزير عبد الرحيم العظيم وقائده في معركة مع البدو، كانت هذه الغارات تقض مضاجع الحكومة ناشرة الفوضى وقاطعة الطرقات، تسلب وتنهب ثم تفر عائدة إلى مضاربها في الصحراء، حاملة معها مغانمها، ومن أجل ذلك بنيت قلعة تلبيسة .
إن مجاورة تلبيسة للمدن الهامة، وكونها نقطة وصل بين مدن الشمال والجنوب التي لعبت دوراً متميزاً في تاريخ سورية القديم يدفع للاعتقاد بأنها لا بد أن تكون قد ساهمت في مثل هذا الدور بشكل أو بآخر، وبالافتراض بأن تلبيسة هي مدينة أبزو حيث يقول الباحث الفرنسي (رينيه دوست) في كتابه (الطبوغرافية التاريخية السورية)، (يكاد يكون من المؤكد تقريباً أن (أبزو) هي نفسها (تلبيسة) حيث اكتشفت فيها الكثير من الآثار الهامة) فإن أرشيف -إيبلا – أفاد بأن هذه المدينة كانت شاهدة على المعاهدة بين المصريين ومدينة قادش، وماعدا ذلك فإن الفترة الطويلة بين انتهاء المد الحثي وظهور المسيحية، فترة فقيرة جداً بالمعلومات، إلا أن ذلك لا يعني أن تلبيسة كانت غير موجودة على المسرح التاريخي، وإن الآثار التي عثر عليها في القلعة وما حولها تؤكد عدم انقطاع التسلسل التاريخي للمدينة، فقد تم العثور على آثار آشورية وآرامية وكتابات مبعثرة هنا وهناك، أما الآثار اليونانية فإنها موجودة بكثرة، وتبدو واضحة في شواهد القبور، وكذلك الأمر في الآثار الرومانية فهي تشاهد في كل مكان تقريباً خاصة الأفنية التي كانت تنقل المياه العذبة إلى العديد من الجهات، كقلعة الرستن، مما يدل على غنى تلبيسة بالمياه في ذلك العصر.
أسفرت التنقيبات الأثرية العشوائية عن وجود آثار هامة فيها، بينها قطع نقدية وفخارية وزجاجية وتماثيل رخامية تعود إلى أزمنة متعددة، فقد استقر العموريون والحيثيون فيها، وبعدهم جاء الآراميون فاحتلوا مكانهم، كما قدم إليها الفرس في القرن الثالث قبل الميلاد، ثم احتلها الإغريق فالرومان، فالبيزنطيون، ويوجد في قلعتها بعض الكهوف، أما تلها الأثري فيبلغ طوله نحو ثلاثمائة متر، وعرضه بحدود مئتي متر تقريباً، أما ارتفاعه فيبلغ /30/ م. وكانت هذه القلعة مركزاً لعائلة آل الجندي التي حكمت المنطقة منذ عام /1735/ م،وقد بني الجامع في القلعة عام 1760/م. وقد تعرضت قلعة تلبيسة أو تلها إلى اقتطاع أجزاء كبيرة من جهاته الثلاث، فمن الشمال اقتطع جزء كبير منه في عهد الانتداب الفرنسي لردم المستنقعات التي كانت تحيط بالتل، كما اقتطع من جهتيه الشرقية والجنوبية أجزاء كبيرة لصناعة اللّبن المجفف بأشعة الشمس لعمارة القباب، المسكن المفضل لدى سكان القرية. وأصبحت تلبيسة مدينة منذ العام 1987م بموجب المرسوم رقم /9/ تاريخ 19/2/1987م.
تبعد تلبيسة عن حمص حوالي /13/ كيلو متراً وعن الرستن حوالي /10/ كم وعن مدينة حماه حوالي/30/ كم وتعتبر زراعياً من مناطق الاستقرار الأولى في القطر وترتفع عن سطح البحر /450/م، وتبلغ مساحتها /5653/ كم2 ومعدل الهطول المطري فيها /400/ ملم. وكانت المستنقعات تحيط بها من جهاتها الثلاث: الجنوب والغرب والشمال، وقد ابتعد عنها طريق القوافل إلى جهة الغرب بحدود مئتي متر متجنباً المستنقعات الواسعة، وفي بعض السنوات المطيرة كانت تتشكل برك مياه غربي الطريق على شكل بحيرة ضحلة، وهذا يعني أن القوافل كانت تجتاز طريقاً شبيهاً بالمضيق.
ومن حيث الأهمية الاقتصادية تحتل تلبيسة المرتبة الرابعة في قائمة مدن محافظة حمص بعد تدمر والقصير والرستن.
ليس لدينا أي إحصائية تبين العدد الحقيقي لسكان تلبيسة قبل عام 1922م، تاريخ إجراء الإحصاء الأول للسكان في نيسان، وتمت مقارنته مع السجل العثماني بحضور المخاتير والأئمة، وتم تثبيت الإحصاء على النحو التالي:
عدد الذكور: 906، عدد الإناث 897، المجموع العام /1803/ وقد بلغ عدد سكان مدينة تلبيسة عام 1980م (15536) نسمة، أما اليوم فعدد السكان يزيد على خمسة وأربعين ألف نسمة .
ولم تصبح تلبيسة مركز ناحية إلا بعد زيارة الرئيس الخالد حافظ الأسد لها في العام 1971م، حيث وعد مستقبليه بإحداث مركز ناحية فيها، فصدر القرار رقم /5/ن تاريخ 19/1/1972م عن وزارة الداخلية بإحداث مركز الناحية فيها.
http://img704.yfrog.com/img704/661/11123497.jpg

أسجل من خلال المنتديات شكري وتقديري لجهودكم الرائعة...متمنيا لكم دوام التألق ....في عنق كل منا دين لأم الحب والخضرة والماء السلسبيل...تلبيسة....امتناني غير المحدود لكم أيها الرائع ....أنتظر المزيد ...
وخصوصا عن أدباء وشعراء أم التاريخ(تلبيسة)...تحياتي لكم وللأستاذ وليد والأخ الأستاذ عبد اللطيف...وشكرا.