الربيع الخامس........بقلم:عبد الرحمن سليم الضيخ

اليوم -وعلى غير العادة -خرجت من بيتي في المدينة الغريبة التي اتخذتها ملجأ منذ سنة ونصف ،خرجت عند الظهيرة لحاجة ...وليتني ماخرجت،وليت سجني الطوعي الذي تعاقدت معه استمر وما انقطع لساعة أو أقل.....شجرة المشمش التي تتخذ من حديقة المنزل وطنا بدأت اليوم موسم ولادة الأزهار.....ماإن ارتسمت زهراتها على هامش الحزن في عينيّ حتى انفتح باب واسع كان مغلقا على ذكريات لاتمحى....
خرجت من بيتي المتواضع في شارع(بيت الضيخ)واتجهت شرقا،وما تجاوزت دار (الشايب)حتى لاحت لي سيمفونية الحنطة وشقائق النعمان في أرض(الحاج رزوق)و(الحاج هواد الكريّم)....عذارى القمح تحاول أن تتعالى برؤوسها لتقبل شفاه شقائق النعمان فتتمايل الشقائق هربا منها في كرنفال لايصطاده خيال ،ولاتقتنصه ريشة فنان.....أمشي على الطريق بين الحقلين وكأنني رجل آلي لأن أنغام صبايا الزهر استلبت كل أحاسيسي وقيّدت حركاتي......يناديني (الحاج رزوق الكريّم)ليضيّفني فنجانا من القهوة المرة ...ولاأدري أيهما أجمل....عرس الزهر أم ابتسامته وترحيبه الفطري الأبيض الذي لايستطيع لغة في العالم أن تصف أحاسيسي تجاهه....وبألف اعتذار أتخلص من كرمه لأتابع طريقي.....كرنفال الطبيعة يمتد ليستغرق حقول (الصابوني)و(أرض بيت أبو فياض)و(أرض بيت السعيد )و(بيت رزوق الضاهر)كل الحقول تضجّ بحالة لاتحيط بها أبجدية ،ولاتستطيع وصفها لغات.....ماإن ألج من باب مزرعتي حتى أحس أن أشجار الزيتون قد مدت أعناقها لتستقبلني...أتساءل...هل تعرف الأشجار من زرعها واعتنى بها سنوات ...ثم غاب عنها؟؟؟!!!شجيرات الجوز والتين بدأت تهتز أغصانها اهتزازا رفيقا وكأنها تقول لي....لقد برّح بنا الشوق....والغريب أنها لم تشك مثل أولادي من المعاناة التي عانتها جراء القصف الذي امتد أربع سنوات وأثر فيها ،واجتز الكثير من أغصانها.....
جلست أمام البيت الصغير .....هنا كانت شجرة توت شامي ...أين هي ياترى؟؟؟!!!ألصقت نظري في التربة حيث كانت ...فرأيت ابنتها الصغيرة تطل برأسها لتقول لي....هاأنذا مكان أمي التي أحرقتها قذيفة غادرة....انتظرني بعض الوقت لتراني في قامة كقامة أمي........
لم أقو على متابعة طريقي....عدت إلى بيتي ...وصالحت سجني مرة أخرى....ولاأدري متى سأقرر أن أنعتق منه ......هل سيكون ذلك حين يطل الربيع السادس؟؟!!!أم أن معجزة ستنقلني إلى حيث تخضل الجنة في بلد لم يقرأ التاريخ سفرا مثل ملحمته الرائعة.
إلغاء إع