منتديات الشاعر عبد الرحمن سليم الضيخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نظرية النظم عند الخطابي في معايير النقد الحديث والنقد الحداثي وما بعد الحداثي (1)

اذهب الى الأسفل

نظرية النظم عند الخطابي في معايير النقد الحديث والنقد الحداثي وما بعد الحداثي (1) Empty نظرية النظم عند الخطابي في معايير النقد الحديث والنقد الحداثي وما بعد الحداثي (1)

مُساهمة  عبد الرحمن الإثنين فبراير 22, 2010 9:18 pm

ثانياً : نظرية النظم في معايير النقد الحداثي([1]) وما بعد الحداثي :


نوهنا فيما سبق إلى معايير نظرية النظم عند الخطابي، وإلى الإضافات الجديدة التي أضافها الجرجاني . بحيث أصبحت هذه النظرية نظرية نقدية مكتملة . أفاد منها النقاد المحدثون ، وتنكّر لها النقاد الحداثيون ناسين أو متناسين أنها خدمت النقد العربي خدمة فنية عظيمة ، وكشفت عن عبقريتها وسبقها العبقرية الغربية قروناً طويلة . مما يحدو بنا أن نشير إلى هذا السبق الذي تجلى من خلال مقاربات المصطلحات النقدية الحداثية التي كانت صدى لما أبدعه الخطابي والجرجاني ؛ بل ترجمةً نصية لمعظم المعايير النقدية التي صُبّت في إطار جديد ، وفي مسميات جديدة من الاصطلاح الحداثي .
لقد ربط النقاد الحداثيون بين مفهوم الأسلوبية البنيوية([2])، ومفهوم نظرية النظم التي وضعها الخطابي ، والتي آل اكتمالها إلى عبد القاهر الجرجاني ، من خلال الآراء التي وقفت عند حدود البنية اللغوية في سطحها الخارجي . أما الأسلوبيون البنيويون فقد تجاوزا ذلك إلى ما تحت هذه البنية من قيم نفسية أو سيسيولوجية ، أو غيرها دون أن يقطعوا صلتهم بها .
وإذا كانت النظرية الأسلوبية البنيوية تسعى إلى تحليل النص الأدبي من خلال البنيتين : السطحية والعمقية لكشف دلالات النص الكلية ، بحيث تتوحد فيه الدوال مع مدلولاتها ؛ فإن نظرية النظم الخطابية – الجرجانية اقتصرت على البنية السطحية . وتبدى ذلك في استخدام الأبنية النحوية التي ضرب لها الجرجاني مثالاً بالفارق الدلالي الناتج عن تغاير هذه الأبنية حين ربط في قوله تعالى : ” واشتعل الرأس شيباً “ بين الفعل والفاعل والتمييز ربطاً ترتيبياً ، تختل فيه دلالة البنية إذا جعلنا التمييز فاعلاً ، أو إذا استبدلنا [احترق] مكان [اشتعل] وهذا ما يعرف في إطار نظام البدائل الحداثي بالأفق الاستبدالي ، وهو ما عالجه الأسلوبيون البنيويون وأشاروا إليه بمحور [الاختيار] . كما أشاروا إلى العلاقة النحوية بمحور [التأليف أو المجاورة].
ولا شك أن محور التأليف الذي يعرج على العلاقات النحوية وترتيبها، يفضي بنا إلى توالد المعاني وتعددها التي أصلّها الجرجاني بما سماه {معنى المعنى([3])} وهو أن نعقل من اللفظ معنى، ثم يفضي بنا ذلك المعنى إلى معنى آخر.
إن دلالات مصطلحي [الاختيار والتأليف] تأخذ بنا – عكساً - إلى ما يعرف بالانحراف. وهو انحراف الشاعر عن الصيغ السائدة والثابتة إلى ما يدهش القارئ . كأن أقول : {نعمت ببردٍ تأجج من نار} أو {حرت من سفاسف ذي حجا ومن جور ذي حلم} . ومثل هذا التعبير لا يتوقعه القارئ على هذه الشاكلة.
وهذا الأمر جعل ابن جني يذهب إلى أن العربي إذا قوي طبعه لم يبال أن يقع الشذوذ في شيء من كلامه، منحرفاً بذلك عن (المطّرد والغالب والكثير([4])) أي منحرفاً عما هو مألوف وسائد . ويشير ابن جني إلى مفهوم هذا المصطلح إشارة واضحة حين يقول : ” فكانت الأصول ومواد الكلم مُعرِضة لهم ، وعارضة أنفسها على تخيرهم ، جرت لذلك مجرى مالٍ ملقى بين يدي صاحبها ، فميّز بين رديئه وزائفه ، فنفاه ألبتة ، كما نفَوا عنه تركيب ما قبح تأليفه ، ثم ضرب بيده إلى ما أطفَّ([5]) له من عُرض جيده ، فتناوله للحاجة إليه ، وترك البعض لأنه لم يرد استيعاب جميع ما بين يديه منه([6])“.
وقبل ابن جني يشير الخطابي إلى أول مصطلح يكشف عن معالم نظرية النظم . وهو مصطلح [الاختيار والتأليف] الذي تبناه عبد القاهر الجرجاني فيما بعد . مما يؤكد أن كل أفكار عبد القاهر الجرجاني لم تكن جديدة . وأن الخطابي هو الذي ابتدع هذا المصطلح وغيره من المصطلحات التي تقاربت مع المصطلحات الحداثية الجمالية . يقول الخطابي في معرض حديثه عن الإعجاز البلاغي واللغوي للقرآن وعجْزِ البشر عن الإتيان بمثله : ” إنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور ثلاثة : منها أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية ، وبألفاظها التي هي ظروف المعاني والحوامل لها ، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ ، ولا تكمل معرفتهم لاستيفاء جميع وجوه النظوم التي يكون ائتلافها ، وارتباط بعضها ببعض ، فيتوصلوا باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله ؛ وإنما يقوم الكلام بأشياء ثلاثة : لفظٍ حامل، ومعنىً به قائمٍ ، ورباطٍ لهما ناظم| ([7])“.
فالخطابي حين يتحدث عن نظرية النظم يشير إلى الرباط الناظم . وهو شبكة العلاقات التي تربط بين الألفاظ الحوامل للمعاني [العلامات]، والنظوم التي بها يكون ائتلافها بعضها ببعض. أي التي تربط بين اللفظة واللفظة داخل البنية اللغوية – النحوية يكون قد تحدث عن مصطلح [علاقات الجوار]، ومصطلح [علاقات الاختيار] كما في قوله : ”فيتوصلوا باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها “. ويكون قد قدم ما يعرفه المحدثون والحداثيون بالأفق التعاقبي الاستبدالي([8]).
ويرى ”عبد العزيز حمودة“ أن هذا الاختيار بين المفردات اللغوية، أو بين الألفاظ الحوامل للمعنى ، يقوم بالطبع على انتقاء اللفظة المناسبة أو الأفضل من بين ألفاظ أخرى مرادفة أو مختلفة ، ثم يتساءل قائلاً : ” أليس هذا في إيجاز مثير للعجب جوهر محور الاستبدال ؟ وهكذا وفي بضعة أسطر فقط يقدم عقل عربي مبكّر جوهر محوري التعاقب والاستبدال اللذين يفتتن بهما الحداثيون العرب في المصادر الأجنبية الغربية([9])“.
إنه حقاً سبق إبداعي مبكّر، يؤكد المقاربة بين مصطلحات النقد الحداثية الغربية ، وبين مصطلحات نظرية النظم الخطابية التي انتقلت بدورها من دائرة الخطابي البلاغية الإبداعية إلى دوائر من جاؤوا بعده كالباقلاني والجرجاني والقرطاجني وابن الأثير وغيرهم . وجميعهم نهلوا – كما أكدنا سابقاً – من معين الخطابي ، وداروا في فلك معالم نظريته. وراح كثير منهم يتمثل ما طرحه الخطابي ، ويبني على ذلك مصطلحاته البلاغية في إطار نظرية النظم .
والحق أن فكرة [ الانحراف ] قد تؤدي إلى ما يعرف بكسر السياق ، وهي سمة أسلوبية إيجابية إذا أحسن المبدع التحكم بها . أما إذا لم يحسن التحكم بها ــ وهذا ما آل إليه حال بعض السيمولوجيين، والتفكيكيين الذين يعتقدون باعتباطية الإشارة التي تلغي المدلول ــ فسوف ينتهي النص إلى حالة عبثية ، يفقد بموجبها الغاية الجمالية الناجمة عن طاقاته التأثيرية والإيحائية ، وهذا بالتالي ما يترك المتلقي في حالة تذوقية – نفسية تموت فيها الرؤية ، وينعدم فيها التذوق الجمالي الفني .
ولا شك أن النص الذي يجذب متلقيه ويأسره في عالمه الجمالي الجاذب هو النص الأقرب إلى فطرة المتلقي وأجوائه النفسية السوية .
ولعلنا ندرك بعد هذا السرد التحليلي للمقاربة الفنية بين نظرية النظم الخطابية – الجرجانية وبين المنهجين : البنيوي([10]) والتفكيكي([11]) مدى عبقرية هذه النظرية، وسبقها كثيراً من المعايير الإبداعية الحداثية التي وقفنا على بعض منها وقفة متأنية إلى حد ما .
ومما تجدر الإشارة إليه أن نظرية النظم في إطارها العام ، تنحو نحو الكشف الفني في ثنايا النص ، لإبراز قيمته الجمالية من خلال الدلالات الإضافية الثانوية والإشارات الإيحائية ، والأسرار البيانية الخفية التي يبثها ظل النص ، في إطار شيفراته الرمزية .
وفي المقابل فإن نظرية النظم الخطابية – الجرجانية ، تقف على مفترق الطرق مع السيميولوجيين([12]) وغيرهم الذين يعتقدون باعتباطية الإشارة التي تلغي المدلول رامية إلى التحلل الذي ينتهي إلى حالة من الهوس والضياع والغموض المطلق والعبثية المتعمدة ؛ ومثل هذا الاعتقاد تبناه اتجاه عريض من أنصار الحداثة وما بعد الحداثة .
إن علم اللغة الحديث الذي أصّل له العالم اللغوي الغربي [ فرديناند دي سوسير] في مطلع القرن العشرين يؤكد سبق البلاغيين العرب في التنظير لهذه المصطلحات النقدية الحداثية وفقهها فقهاً تطبيقياً . فالجرجاني منذ ألف عام يشير إلى تعدد الدلالات ، ومراوغة المدلولات للدوال ، والفراغات التي يملأها مع كل قراءة جديدة للنص الإبداعي ، بحيث لا يؤدي ذلك إلى لا نهائية الدلالة التي تبناها التفكيكيون . فبلاغيونا العرب لم يؤيدوا لانهائية الدلالة التي تنتهي بالنص إلى الاستغلاق أو الموت ، من خلال اللعب بالدوال واعتباطية المدلولات التي تفضي إلى فوضى التفسير والتأويل وعبثية التذوّق وإلى إفساد الذائقة الفنية وموتها .
من هنا فإن نظرية النظم الخطابية لا تقل أهمية وتكاملاً عن نظرية [دي سوسير] اللغوية الحداثية ، سوى أنها صيغت في إطار مختصر من اللغة البلاغية القديمة التي تنتمي إلى القرن الرابع الهجري . وحددت معاييرها النقدية في إطار الثقافة البلاغية التي كانت سائدة في ذلك الحين. ولكنها رغم قِدَمِها فقد أشارت إلى نظام لغوي حداثي للعلامات من خلال شبكة علاقات تحدد دلالات النص . ودعونا مرة أخرى نقدم نص الخطابي النقدي الذي اختزل فيه نظرية النظم ، لنكشف من خلاله مقاربات المعايير الحداثية التي انبهر بها الحداثيون أيما انبهار. يقول الخطابي : ”إنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور ثلاثة: منها أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية، وبألفاظها التي هي ظروف المعاني والحوامل لها، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ، ولا تكمل معرفتهم لاستيفاء جميع وجوه النظوم التي يكون ائتلافها، وارتباط بعضها ببعض، فيتوصلوا باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله؛ وإنما يقوم الكلام بأشياء ثلاثة : لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم([13])“.
فاللفظ الحامل للمعنى هو العلامة التي تدل على ذلك المعنى. والعلامات التي تنبثق منها الدلالات المختلفة تجمعها جميع وجوه النظوم؛ هي بالتالي تشكل شبكة العلاقات التي تحقق للعلامات ائتلافها وارتباط بعضها ببعض . وهذا الائتلاف بين اللفظ (الدال) وبين المعنى (المدلول) لا يحقق الدلالة إلا من خلال نظام العلاقات. وهو ما أشار إليه الخطابي بالرباط الناظم .
ويكفي هنا أن نؤكد مرة أخرى أن ما طرحه الخطابي في تفسير مفهوم النظم ودوره في الإعجاز القرآني البلاغي ؛ وأن النظم هو المعول عليه في تحقيق العلامات ضمن إطار نظام علاقات يحقق الدلالة المرجوة أمرٌ يحمد له سبقه ، وعبقرية إبداعية سبقت الحداثيين الغربيين في هذا المضمار باثني عشر قرناً . وعليه فلسنا نلوم عبد العزيز حمودة إذا أبدى إعجابه بالخطابي الذي أوجز نظريته اللغوية فيما يشبه الإعجاز والدقة العلمية المطلقة على حد تعبيره . يقول حمودة : ” لقد استغرق العقل الغربي الذي أبهرتنا إنجازاته الحداثية ما يقرب من اثنى عشر قرنا لينتج هذه الصيغة التي أدرنا لها ظهورنا بدلاً من تطويرها([14])“.
وتزداد المقاربات النقدية الحداثية الغربية من مصطلحاتنا العربية البلاغية تقارباً أكثر وضوحاً من العلاقات الأفقية والرأسية([15]) في النص من خلال نظرية النظم الخطابية – الجرجانية التي تشيربوضوح إلى هذه العلاقات ؛ فائتلاف الكلم بعضِها ببعض عند الخطابي ، وجعل بعضها بسبب بعض عند الجرجاني يحدد مصطلح [الجوار أو الضم] وهو ما يعرف بالعلاقة الأفقية في النقد الحداثي . ولا شك أن اختيار الأفضل عن الأحسن من وجوه الألفاظ [العلامات] ، كما يؤكد الخطابي ، واختيارك الكلمة التي تروقك في موضع ، وتثقل عليك في موضع آخر([16]) ، كما يؤكد الجرجاني يحدد مصطلح [الاختيار] ؛ وهو ما يعرف بالعلاقات الرأسية في النقد الحداثي .
ويستخدم الناقد الحداثي المعروف ” كمال أبو ديب “ المصطلحين المعرّبين : التعاقبي والاستبدالي متجاهلاً المصطلحين العربيين : علاقات الجوار، وعلاقات الاختيار . وبنى ”عبد الله([17]) الغذامي“­ منهجه النقدي على المنهج البنيوي التفكيكي مستخدماً ما طرحه كمال أبو ديب في مفهوم الأفق الاستبدالي الذي تبناه الناقد الغربي (رولان بارت)([18])، لسبر حركة العلاقات في باطن النص، وذلك من خلال تغيير اللفظ (الدال) باستبدال بدائل عنه من سلسلة الاختيار . ومثل ذلك فعل ”محمد زكي العشماوي“ حين أبدى اهتمامه بأحد النقاد الغربيين المعاصرين؛ وهو (ريتشاردز)([19]) الذي يطرح فكرة [علاقات الجوار والاختيار] من خلال تميز النغمة بالنغمات المجاورة لها، أو من خلال تميز اللون بالألوان المصاحبة له. وكذلك حال معنى اللفظ الذي لا يمكن أن يتحدد ويتميز إلا من خلال مجاورة هذا اللفظ لألفاظ أخرى .
إن هذا الانبهار بالمصطلحات النقدية الغربية ، والاقتداء بالنقاد الغربيين في تحليل جماليات النص الأدبي يجعلنا نتساءل : لماذا ينبهر نقادنا العرب بمنجزات العقل الغربي؟ ويتجاهلون تراثنا البلاغي العربي الذي أبدع شبكة تلك العلاقات ، وافتنّ في جدلية تلك العلامات ، وصاغ مصطلحات نقدية سبقت الغرب بألف عام ، وأتخمها بحثاً وجدلاً ما يقرب من خمسة قرون ، ثم يأتي بعض الحداثيين العرب ضارباً بها عرض الحائط ليتباهى بتسميات الحداثة الأجنبية الغربية البراقة ، وَلِيُكسبَ في زعمه عن قصد أو عن غير قصد أطروحاتِه النقديةَ سمةَ الجدّة والتحديث، والثقافة المتميزة الضاربة في أعماق الثقافة الغربية.
إن نظرية النظم الخطابية – الجرجانية لم تعدم كما رأينا هذه الذخيرة الوفيرة من مصطلحات جماليات النص . فقد طرحت قضايا بلاغية كثيرة ؛ وهي القضايا نفسها التي عُني بها نقاد القرن العشرين مثل : النص المغلق ، والنص المفتوح ، وتعدد الدلالة ، ومراوغة المدلول للدال ، والمعنى ، ومعنى المعنى . ومثل قضية [التجسيد] ويقابلها المعادل الموضوعي الذي ابتدعه [ت. س. اليوت]([20]) عميد النقد الغربي بعد عشرة قرون .
وكان عبد القاهر الجرجاني قد أفاض في التطبيق على هذا المصطلح، وأفرط في التحليل لأمثلته التي يغص بها الأدب العربي القديم ، من خلال ما يعرف بتجسيد المعقول للمحسوس .
ونستطيع أن نذكر أيضاً ما طرحه الناقد الأمريكي الكبير في نهاية القرن العشرين [جوناثان كللر]([21]) من تعريفات اصطلاحية لمفهوم المجاز ووظيفته الفنية ؛ وهو لا يختلف في شيء عن تعريف البلاغيين العرب له.
نخلص من هذا كله إلى أن البلاغيين العرب – والخطابي واحد من أئمتهم وهو السبّاق لوضع قواعد نظرية النظم القرآنية ــ سبقوا التعريفات البلاغية ، والمصطلحات النقدية الفنية الحداثية وما بعد الحداثية بعشرة قرون أو أكثر . وبنوا مصطلحاتهم النقدية البلاغية ، وهندسوا أبنيتها الفنية من خلال التوصل إلى إعجاز القرآن البلاغي ؛ ولهذا وجدناهم افتنُوا في تفسير القيم الفنية ، وشققوا القول في مصطلحاتها النقدية ، وبلغوا في ذلك شأواً بعيداً ، راح الحداثيون ومَنْ بعدهم ، يدورون في فلكهم – عن قصد أو عن غير قصد – من خلال مصطلحاتهم التي اخترعوها ، وبنوا عليها نظرياتهم الأدبية والنقدية ، والتي رأينا نماذج منها تتطابق وتتقارب وتتماثل في مضامينها ومؤدّاها الفني مع المصطلحات البلاغية العربية التي أبدعتها نظرية النظم ، وكان لها فضل السبق والاستشراف والريادة والعبقرية الفذة .
عبد الرحمن
عبد الرحمن

المساهمات : 228
تاريخ التسجيل : 23/01/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى