مقدمة كتابنا الطرائف والعبر(في المستقبل إنشاء الله)

مما لا مراء فيه أن الحياة لا تتوقف بدون الطرف والظرف والفكاهة ولكنه من المؤكد أنها بدون ذلك لا تستقيم على حال وتبدوا غير جميلة وموحشة، فالإنسان يمتاز على غيره من المخلوقات بكونه أنيساً غير متوحش ،وأن بشاشته وضحكته وظرفه عنوان من عناوين جبلته الإنسانية.والضحك تعبير صادق عن الطيبة ورضا النفس،وله تأثير كبير في تلطيف المزاج،ورقة الطبع. ولا بد للقائد الملهم أن يشبَّ في أعماله وأفعاله روح الدعابة والمرح على الجد والعمل حتى تتكلل أعماله بالنجاح والقبول والمثل يقول(لا تكن صلباً فتكسر ،ولا لين فتعصر)وهذا ما تسم به القائد العظيم الناجح محمد عليه الصلاة والسلام في قيادته للأمة العربية والإسلامية ، ولقد عبّر عن ذلك عندما جاءه رهط من الصحابة فظنوا أن الحياة جدّ وعبادة وطاعة فقط فقال أحدهم :أنا أصوم فلا أفطر أبداً ،وقال الآخر :وأنا أقوم الليل فلا أنام،وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء أبداً!!..فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهم جاء إليهم ثم قال(ألا إني أتقاكم لله غير أني أصوم وأفطر ،وأصلي وأنام ،وأتزوج النساء،فمن رغب عن سنتي فليس مني).
فالمجتمع بلا شك بحاجة للطرف والفكاهة للترويح عن النفس ولكنَّ الذي رأيته في الآونة الأخيرة هو جنوح الأمة نحو الميوعة والسخافة والانحلال الأخلاقي تحت شعار الطرف والترويح عن النفس فكثرة هذه البرامج والمسلسلات بأسماء مختلفة والكثير منها هي برامج تدعوا للمجون وللعهر والتحلل الأخلاقي بين الشباب والبنات باسم الطرف والفكاهة، فحارب رجال الدين الطرائف جملة وتفصيلاً وجنحوا للعبوس والتقطيب في أغلب أوقاتهم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (الابتسامة في وجه المسلم صدقة)ويقول أيضاً (روّحوا القلوب ساعة فساعة..).
وعندما اطلعت على بعض الكتب القديمة التي تتناول مثل هذه النوادر والطرائف وجدت أن بعضها صار قديماً بالياً لا يصلح لهذا الزمان والبعض الآخر تعافه النفوس كونه يسيء للخطباء والمؤذنين ولطلاب العلم بشكل فاضح كما هو الحال في بعض طرف الكتاب المعروف (بالمستطرف في كل فن مستظرف)للأبشهي لذلك حاولت هنا جمع بعض الطرف من كتب شتى عربية وأجنبية بعد أن شذبتها من الشوائب لتخرج بشكل منطقي ومعقول قدر المستطاع ولقد أضفت بعض الطرائف الجديدة من الوسط الذي وجدت فيه .وقبل الشروع في ذلك لا بد لي من توضيح بعض المفاهيم والعبارات:
-الظرف:هو حسن العبارة ،وفي لسان العرب عن الأصمعي وابن الأعرابي :أن الظريف هو البليغ الجيد الكلام،وقالا :إن الظرف في اللسان ،واحتجا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحديث إذ قال: (إذا كان اللص ظريفاً لم يُقطع)(أي لم يعاقب)،ومعناه: (إذا كان بليغاً جيد الكلام احتج عن نفسه بما يسقط الحد.
وقال محمد بن يزيد: الظريف مشتق من الظرف ،وهو الوعاء ،كأنه جعل الظريف وعاء للأدب ومكارم الأخلاق .ومن ذلك قال رجل لأبي الأسود : (إنك ظرف علم ،ووعاء حلم،غير أنك بخيل )فقال أبو الأسود )لا خير في ظرف لا يمسك ما فيه!!).
-الطرف:
الطرف قريب من الظرف ،وشيء طريف ،أي طيب غريب ،وعن ابن الأعرابي في لسان العرب،قال:قال خالد بن صفوان : (خير الكلام ما طرٌفت معانيه،وشرُفت مبانيه،والتذته آذان سامعيه)وأطرف فلان إذا جاء بطرفة .
وفي تاج العروس :يقال : (أطرفت فلاناً أي أعطيته شيئاً لم يملك مثله فأعجبه ،والاسم الطرفة بالضم).
وقال الفيروزابادي في القاموس: (وامرأة طِرف الحديث:حسَنته،يستطرفه من سمعه )،ومن هذا ما جاء في نهاية الأرب :أن امرأة مرت ببني نمير فتغامزوا عليها فقالت :يا بني نمير ،لم تعملوا بقول الله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)أو بقول الشاعر فغضّ الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلابا
فخجلوا .
-الفكاهة:
والفاكهة هي الثمر كله،وهذا قول أهل اللغة كما جاء في تاج العروس،ومن المجاز القول فكّههم بِملَح الكلام تفكيهاً،إذا أطرفهم بها،وقد فكُه الرجل فكها وفكاهة ،فهو فكِه وفاكه،أي طيب النفس ضحوك،مزّاح .ورجل فكه يحدّث صحبه،فيضحكهم ،والفاكه :المزّاح.وقال ابن منظور:رجل فكه،وفاكه،وفيكهان،وهو الطيب النفس المزّاح.وللفكاهة في الإسلام شروط منها:أن تترفع عن بذيء القول،والكلام الرذيل ،والنيل من الناس.إذ لا فرق بين جرح اللسان وجرح اليد،على حد تعبير القلقشندي.

أحييك ملء الحب والإبداع...وأشد على يديك...وأتمنى لك التوفيق....وأنا بانتظار إبداعاتكم.....وفقك الله أيها المجتهد...دم بخير.