منتديات الشاعر عبد الرحمن سليم الضيخ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

غريبة....قصة للأطفال...د.هيثم الخواجة

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

غريبة....قصة للأطفال...د.هيثم الخواجة Empty غريبة....قصة للأطفال...د.هيثم الخواجة

مُساهمة  عبد الرحمن الأحد أكتوبر 10, 2010 3:39 pm

قرَّرت (غريبةُ) عدمَ الخروجِ من البيتِ إلاَّ إذا اضُّطرت بسببِ وضعِها المحرجِ وغير الطّبيعي، فهي تحبّ الناسَ كثيراً، وتعشقُ الجلوسَ مع الأطفالِ والاجتماعَ معهم، لتسمعَ أحاديثَهم، ويستمعوا إلى حديثِها وأفكارِها.. لكن هيهات أن يتحقَّقَ ذلك، فالآباءُ والأمهاتُ يحذِّرون أولادَهم من الاقترابِ من بيتِ (غريبة) التي نُسِجت حولها حكاياتٌ مختلفةٌ، فبعضُهم يقول: إنّ شيطانةً ولدتها، ثم سافرت إلى بلدٍ آخر.. وفي روايةٍ أخرى :إنَّ والدَها أغضبَ والديهِ فأرسلَ له الله بنتاً مشوّهة.. ويميلُ الكثيرون إلى أنَّ قدرةَ الله كانت وراء خلقتِها على هذه الصورةِ، وأنَّ والديها ماتا في حادثةِ غرقٍ في مياه البحرِ أثناء الصيدِ.
بقيت (غريبة) وحيدةً في بيتها خشيةَ الخوفِ أو الأذى.


فقد خُلِقت غريبةُ بنصفين مختلفين الأول: نصفُ فتاةٍ وهبها الله جمالاً وروعة والثاني: نصف ثعبانٍ قبيح. وعلى الرغم من أنها تشعرُ بالضيق والضّجرِ من نصفها الثاني، وعلى الرغم من أنها تكرهه إلى درجةِ الحقدِ إلاَّ أنَّها ظلّت مضطرَّةً للقبولِ بهذا الوضعِ الذي خُلقت عليه..
سألها أحدُ أطفالِ الحيّ يوماً:
- لماذا أنتِ على هذه الصورة؟
فأجابت:
- وهل كنتَ قادراً على التحكّمِ بخلقتك يومَ وُلدت؟
صَمَت الطفلُ، وأدار وجههُ عنها، وكأنه لم يفهم ما قصَدَت.
وفي يومٍ من الأيَّامٍ ضاقَ صدرُها، وشعرت بمللٍ وحزنٍ، فقرَّرت أن تتجوَّلَ في الحيّ تسرّ ناظريها بآثارهِ العتيقةِ وأبنيتهِ الجميلةِ وأشجارهِ الباسقةِ.
وما إن لمحها طفلٌ يصغرها بحوالي السنتين حتى بدأَ يصرخُ، ليُعلمَ جميع الأطفالِ كي يهربوا إلى بيوتهم، أو على الأقل كي يختبئوا ريثما ترجعُ (غريبة) إلى بيتها.
كانت تتجوَّلُ في الحيّ دون أن تجدَ طفلاً واحداً تحدِّثه، أو يلقي السلامَ عليها، أو يرّد على ابتسامَتِها بابتسامةٍ أُخرى.
هربَ الأطفالُ إلى مخابئ مختلفة... بعضُهم كان يراقبها من شقوقِ الأبواب، وبعضُهم الآخر كان يتابعُها من خلف النوافذِ ومنهم من فوق أسطحةِ المنازل... وكم كانت دهشةُ الجميع عندما رأوها تحملُ الخبزَ والفواكه والخضراوات، وتعودُ راجعةً إلى بيتها الذي تركَه لها أبواها.
في ظهيرةِ يوم مشمسٍ سمعت من إذاعةٍ تبث برنامجاً للأطفالِ مثلاً يقول: (مُكْرَهٌ أَخُوكَ لا بَطَلٌ) وقد جاء في تفسيره: "إن الإنسانَ يُجبَر على أمورٍ لا يستطيعُ أن يبعدَها عنه أو يفعلَ شيئاً تجاهها... "
كانت تجدُ تطابقاً بين حياتها وخلقتِها وهذا المثل، فقرَّرت أن تحفظَه مدى الحياة.. وبينما هي كذلك سمعت صراخاً قويّاً يدوّي في الحي.. أطلَّت من الباب، فإذا بأطفالِ الحيّ وبعضِ النساءِ والشيوخِ يسرعون باتِّجاه التلَّةِ العالية، التي كانت تطلُّ على بيادر من القمح .. نظَرت إلى أعلى التلَّةِ فوجدت طفلاً يصرخ وهو معلّق بين السماءِ والأرض... يداه معلَّقتان بإحدى الصخور ورجلاه تتحرَّكان في الفضاء... وبسرعةِ البرقِ اخترقَت الجموع تتجاوزُ حقول القمحِ باتِّجاهِ التلَّة وأرضِها الوعرةِ دون خوفٍ أو فزعٍ من الأودية والذئابِ والصقور.


لم تكن تعرفُ كيفَ وصلَ الطفلُ إلى أعلى التلَّةِ، ولم تكُن تفكّر بأحدٍ سوى إنقاذِ الطفل الذي كان في حالةٍِ حرجة جدّاً.
كان يبكي بحدّة، وكان صراخُه يخترقُ أحاديثَ الناس ولغَطِهم ومخاوفهم.. عندما كانت غريبة تتسلّق التلَّةَ كان نصفُها الثاني (الثعبان) يطلب منها العودةَ وعدم إنقاذ الطفل حتى لا تعرِّضَ نفسها للخطر، فلم تلتفت إلى طلبه، ولم تهتمّ بمحاولاتهِ في التهديد والوعيد أحياناً.


وما هي إلاَّ دقائق حتى وصلت (غريبة) إلى مكانِ الطفل، وعندما اقتربت من الصخرةِ كي تمسكَ بيدهِ شعرت بأنَّ نصفَها الثاني (الثعبان) يحاولُ أن يضغطَ على نصفِها الأول، لكي يشلّ حركته فلا يقدر على إنقاذِ الطفل... فما كان منها إلا أن أمسكت بحجرٍ، وضربت رأس الثعبان، فشعر الأخير بالدوار وغابَ عن الوعي، وشعرت هي بألمٍ غيرِ عاديّ يسري في عروقها، لكنّها لم تهتّم به كثيراً.. وبسرعة البرقِ أمسكت بيد الطفل، وسحبته إلى صدرِها، ثم وضعته على كتِفها منطلقةًَ نحو أسفلِ التّلة..


كانت العيونُ تنظرُ إليها بدهشةٍ، وكانت كلماتُ الإعجابِ والتقديرِ تتردّد على ألسنةِ جميع المشاهدين..
ولأوَّل مرَّةٍ تقبِّلها امرأةٌ غيرُ أمِّها -رحمها الله- هي أمُّ الطفل، ولأوَّل مرَّةٍ تجدُ أهلَ الحي يصفِّقون لفعلها بحرارةٍ وقوَّة.
عادت (غريبة) إلى البيتِ تُعاني من ألم التعبِ وألم الضربةِ القاسيةِ التي وجّهتها إلى نصفِها الثاني، فلم تخرج من بيتِها ثلاثة أيام متتالية..
في صبيحةِ اليوم الرابع للحادثة التي علمَ بها القاصِي والداني في الحيّ، بل في المدينة كلِّها.. سرّحت ابنةُ الثالثة عشر شعرها، ولبست ثوبها الأزرقَ الجميلَ ، وخرجَت كعادتها للتسوُّق.. كانت تتوقعُ أن تُستقبلَ استقبالَ الفاتحين من سكانِ الحيّ جميعهم. سارت (غريبة) باتِّجاه حانوتٍ كبيرٍ لتبتاعَ حاجاتها، وفي الطريقِ وجدت الأطفال وقد انقسموا قسمين بعضهم كان يلُقي التحيَّةَ عليها إعجاباً ببطولتِها وقوَّتها وبعضهم الآخر ظلّ خائفاً منها مبتعداً عن طريقها.
ولشدّ ما تأثَّرت من الحوار الذي سمعت جانباً منه:
- كانت رائعة حقّاً.
- إنَّها خُطّة لكي تقنعَنا بإنسانيَّتها.
- أنت مخطئ.
- لا ليس مخطئاً، فهي لم تستخدم نصفَها الثاني بعد.. إنه ثعبانٌ شرِّيرٌ غادر، ولا نعرفُ متى تقعُ الواقعة.


سمعت (غريبةُ) هذا الحوار، فشعرت بالحزن الشديد، وتمنّت ألاَّ يكونَ نصفُها الثاني ثعباناً، وأن تكون مثلَ بقيَّةِ الأطفال في العالم، كي تأنسَ بهم، ويأنسوا بها، ولكي تلعبَ معهم، ويلعبوا معها لطالما حلمت في ليلة شتائيَّةٍ باردةٍ أنَّها دخلت المدرسةَ، وأنها مثالُ التلميذة المجتهدة التي تحبّ زميلاتها.. تشاركُهم أفراحَهم وسرورَهم.
دخلت المنْزلَ مضطربةً غير مرتاحة، واستلقت تفكّر بواقعِها، وإذا بالثعبان يهمُس في أذنها:
- عليك أن تديري ظهرك لهؤلاءِ الأطفال.. وقفتِ إلى جانبهم فتنكّروا لكِ ولفعلكِ.. دعيني آخذ بثأركِ… دعيني ألقنهم درساً لن ينسوه.. دعيني أرجوك.. أرجوك.
نظرت (غريبةُ) إلى الثعبانِ نظرةَ غضبٍ واستهتارٍ، ولم تستجب لإرادتهِ الشريرة.
وذاتَ يوم وبينما كانت تهيّئ نفسَها للنوم، لترتاحَ من عناء التفكير والعمل في المنْزل وإذا بألسنةِ اللّهب تُضيءُ سماءَ الحي.. أطلت برأسها إلى الساحةِ التي تفُضي إلى بعض منازل الحي، فشاهدت حريقاً مذهلاً، ورأت أهلَ الحيّ شيباً وشبّاناً أطفالاً ونساءً يعملون متعاونين من أجلِ إخمادِ الحريق إلى جانب سيَّارات الإطفاء، لإنقاذِ المتضرِّرين..
ارتدت معطفَها، وهمّت بالخروجِ من المنْزل، لتقفَ إلى جانبِ أهلِ الحي، فاعترضَها الثعبانُ قائلاً:
- اتركيهم وشأنهم.. لم يُقَّدروا سابقاً ما فعلته من أجلِهم فلماذا تكرِّرين المحاولةَ ثانيةً الآن؟
- أنا إنسانةٌ والإنسانُ لا يتخلّى عن عونِ أخيهِ الإنسان.
وتنطلقُ (غريبةُ) مسرعةً إلى مكانِ الحريقِ تنقلُ المياهَ، وتُبعدُ الأثاثَ والخشبَ وكلّ ما يحترقُ عن النيران، ولشدّ ما كان الموقفُ مؤثِّراً عندما سمعتْ صراخَ طفلةٍ بدأت النارُ تلتهمُ ثيابها، فضمّتها إلى صدرِها، وهُرِعَت بها إلى خرطومِ المياهِ لتغتسلَ معها وتُطفئ النيرانَ عنها.
حملَ الناسُ الطفلةَ المحترقةَ إلى المستشفى، وحملُوا معها (غريبةَ) التي أصابتها حروقٌ حادّة… وفي اليومِ الثاني كان الطبيبُ يداوي حروقَ الطفلةِ المسكينةِ، ويتَّخذُ قراراً بقطع النصفِ الثاني (الثعبان) من جسد (غريبة) بعد أن فارقَ الحياة من شدّةِ النار.
عند خروجِ (غريبة) من المستشفى استقبلها الجميعُ استقبالاً كبيراً، ولم يكتفِ أهلُ الحيّ بذلك، بل قرَّروا أن يكونوا إلى جانبِها مدى الحياة.
"
عبد الرحمن
عبد الرحمن

المساهمات : 228
تاريخ التسجيل : 23/01/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

غريبة....قصة للأطفال...د.هيثم الخواجة Empty رد: غريبة....قصة للأطفال...د.هيثم الخواجة

مُساهمة  وليد الضحيك الإثنين نوفمبر 15, 2010 9:57 pm

نعم كلمات بمعان كبيرة
وليد الضحيك
وليد الضحيك

المساهمات : 23
تاريخ التسجيل : 21/02/2010
العمر : 54

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

غريبة....قصة للأطفال...د.هيثم الخواجة Empty الأخ وليد

مُساهمة  عبد الرحمن الخميس أكتوبر 20, 2011 3:30 pm

وليد الضحيك كتب:نعم كلمات بمعان كبيرة
أحييك أخي وليد...وأشكرك...طبت...دم بخير.
عبد الرحمن
عبد الرحمن

المساهمات : 228
تاريخ التسجيل : 23/01/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى