مرثية زرقاء

ما زلتِ تنسجين هالة القمرْ
تنزلين في الحكايا ,عميقاً في البطولة
ونزقٍ تلوّثَ بالزرّ الحديثِ , والكسلِ اللذيذِّ
فيطلعُ السهرْ
من وكرهِ الورديِّ, ناعساً قليلا,
ويفركُ الأحلامَ
(كنعنعٍ ) ناشفٍ ,ما مسّه الضرُّ في هدأة القدر
كشوكةِ الصبّارِ على حدودِ الجار
تثقب المرايا وألواح الوصايا
تعذّبينا , تبعثرينا
كأقمارِ صيفٍ تعشق السفر
تغادرينَ , وتتركينا
نصدّ هجومَ الحالمين
نسامر الحيارى ,نهادن القمر
فأينَ تذهبين؟
تأخذينَ عمرنا وتمضي , أين تذهبين!

وأطلال الموجِ المتكسّرِ عند الآثارِ الرمليةِ تنتظرُ
داليةُ الدار ,
وعصفورٌ قد مُسَّ على الغفلةِ منه
بحنو يديكِ الطاهرتينِ تداعبُ أوّلَ تحليقٍ جرّبه

فأين تهربين, من شبق الأرواح
من نرجسِ يسجّي ضفيرةً سوداء
تغادرينَ , وتتركينا

كلوحِ التاريخِ اليومي
يُكتبُ( بالطابشور) الأبيض, ويمسحُ بعدَ الدرسِ الأول
بعدَ الجَرسِ الأولِ نعلمُ أنَّ العشقَ طريقُ العشّاق
أنّ الشوق المنساب كسهم ٍ ناريِّ , هدف المشتاق
في القلبِ المجروح المثخنِ حتى آخر نبضٍ يُسمع
نعلمُ أنّ الشعر كلام القلبِ المتدفقِ تواً في النبض
وأنّّ الصمتَ حديثُ الأرواح.
يا سيدة الأقمار بهالاتٍ ورديّة
يا سيدة العشق الأزليّة
تندسّين كعبق الزهر المتفتح بين نضوجِ الأشياء
أدمنّا رائحة الصيف المخضرِّ وقشر البلوط
رائحة( الزعتر ) بريّاً نشأته كحبيبةِ قلبي تكره كل الجدران
أدمنا القمح الأصفر وتساقط حبات الزيتون
من ثقلِ الحِملِ على الغصنِ
كرذاذ الماء الناعمِ بين عيون الأرضِ الفيّاضة ,
تغسل وجه المحتاجِ
أدمنّا الأعضاء علينا
ورحلتِ !
فكنّا عراةً حتى منّا
كقطعِ الليل المتأخرِ عند الفجر استيقظ
وأبان الشقّ الضوئي
سوءته الكبرى.
نصرخ ملء الماء الأزرق
يا سيدة البحر الساكن في الأعماق البيضاء
كأنّ الأمواجَ انكفأت
وسالت مرثيةً زرقاء
عن جنبيها الصخر البارز
وهجوم الصحراء
وانفرط الطبعُ المتتابع :
مدّاً جزرا..جزراً مدّاً
نحو الجزر الحارن
أهان عليكِ العشّاق؟
وأنتِ السهم الراشح من دمع الأحباب
أنتِ السهم الراشق في الأهداف القلبية
وأنتِ عذابٌ وغياب
وابلُ مطرٍ نتجشأ في الغربةِ حرقته
ونمتصُّ - من الشوقِ- الضرع المتدلي من غيمِ قادم
خشاشٌ يوميٌّ وجهتنا , نلتحف الأرضَ رداء
نعمّد فنجان القهوة
طقوساً شهوانية
في الحبِّ العذري وإطلاق الأعداء
نكتب في السطر الأول :
صباحُ الخيرِ , مازلنا سعداء
صباحُ الخيرِ ,ندّخر جرار الزيتِ الأول
صباحُ الخيرِ ,ندخّنُ عمراً في القبو
وحفل زفاف الراهبة العذراء
نيروزاً خلف العاصفة الهوجاء
سيدتي , عند القدمينِ الحافيتين تخضرّ الأشياء
جففنا بذورَ الماء,
عند الأثر المتلكئ بين العشبِ اليابس
ورحلتِ!
لا نعلم أينَ اتقد الحزنُ المالح
أين هناك؟ لنلقي بالأثقالِ
وفنجان القهوة لم يفتر بعدُ
تاريخاً يتدحرجُ نحو الوديان
وقمماً صلعاء
مخزون النملات الأكثر حرصاً قارب أن ينفذ
والصيّادون الشرعيون في الزمنِ الزاني
يصطادون البحر النادر
ورحلت !
أنّا جهلنا الدرس لأول
يذوي البحر المذبوحُ من الرقبة
ينزُّ المزبدّ رويداً , من طولِ غياب
ويلفظُ آخرَ (( أفروديت))
عند الشطآن
خلف بروز الصخر الهائج , ورمال الصحراء
فنكتب سطراً آخر للرحلة
مرثيةً أخرى
بحروفٍ زرقاء


هيثم الريماوي

قرأت هذه الحسناء من قبل وقرأتها الآن وسأعود لقراءتها لأنني في كل مرة أتلمس موطن جمال آخر.....حييت بالعبق المديد...بالزهر والفرح القريب ووشوشات البوح من قلب يسبح بحمد الجمال المطلق.....دام ألقك وألق إبداعك.

ثناءك اعنزازٌ لي , دالٌّ أن القلوب مازالت تنيض

كل المحبة والتقدير

هيثم الريماوي